ومن شعره أيضا:
خلقان لا أرضى طريقهما * بطر الغنى ومذلة الفقر فإذا غنيت فلا تكن بطرا * وإذا افتقرت فته على الدهر وقد كانت وفاته وقت المغرب عشية يوم الأحد بقيا من شوال من سنة عشر وثلاثمائة.
وقد جاوز الثمانين بخمس سنين أو ست سنين، وفي شعر رأسه ولحيته سواد كثير، ودفن في داره لان بعض عوام الحنابلة ورعاعهم منعوا دفنه نهارا ونسبوه إلى الرفض، ومن الجلهة من رماه بالالحاد، وحاشاه من ذلك كله. بل كان أحد أئمة الاسلام علما وعملا بكتاب الله وسنة رسوله، وإنما تقلدوا ذلك عن أبي بكر محمد بن داود الفقيه الظاهري، حيث كان يتكلم فيه ويرميه بالعظائم وبالرفض.
ولما توفي اجتمع الناس من سائر أقطار بغداد وصلوا عليه بداره ودفن بها، ومكث الناس يترددون إلى قبره شهروا يصلون عليه، وقد رأيت له كتابا جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين، وكتابا جمع فيه طريق حديث الطير. ونسب إليه أنه كان يقول بجواز مسح القدمين في الوضوء وأنه لا يوجب غسلهما، وقد اشتهر عنه هذا. فمن العلماء من يزعم أن ابن جرير اثنان أحدهما شيعي وإليه ينسب ذلك، وينزهون أبا جعفر هذا عن هذه الصفات. والذي عول عليه كلامه في التفسير أنه يوجب غسل القدمين ويوجب مع الغسل دلكهما، ولكنه عبر عن الدلك بالمسح، فلم يفهم كثير من الناس مراده، ومن فهم مراده نقلوا عنه أنه يوجب الغسل والمسح وهو الدلك والله أعلم. وقد رثاه جماعة من أهل العلم منهم ابن الأعرابي حيث يقول:
حدث مفظع وخطب جليل * دق عن مثله اصطبار الصبور قام ناعي العلوم أجمع لما * قام ناعي محمد بن جرير فهوت أنجم لها زاهرات * مؤذنات رسومها بالدثور وتغشى ضياها النير الاشراق * ثوب الدجنة الديجور وغدا روضها الأنيق هشيما * ثم عادت سهولها كالوعور يا أبا جعفر مضيت حميدا * غير وان في الجد والتشمير بين أجر على اجتهادك موفور * وسعي إلى التقى مشكور مستحقا به الخلود لدى جنة * عدن في غبطة وسرور ولأبي بكر بن دريد رحه الله فيه مرثاة طويلة (1)، وقد أوردها الخطيب البغدادي بتمامها. والله سبحانه أعلم.