عليها دون غيرها، ويكون في معنى المجمل. كأنه قال: أو خبر التفرقة بينهما في بعض الوجوه، فكل بعض أشرنا إليه قبل ورود البيان فيه فجائز أن يكون مما لم يفرق به بينهما، فالاحتجاج بمثله فيما وصفنا ساقط لا معنى له.
ومنهم من يحتج بقوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (1) فلما أمر بالتثبت في خبر الفاسق دل على أنه لا يجب التثبت في خبر العدل، فوجب قبوله من جهة أن المخصوص بالذكر يدل عندهم على أن ما عداه فحكمه بخلافه، وهذا الضرب من الحجاج لا يجوز الاشتغال به، وقد بينا فساده.
واحتج بعضهم لقبول خبر الواحد بقوله تعالى: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (2) قال: فقد اقتضت الآية إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعاه وهو واحد. فقال أبو بكر وهذا ليس بشئ من وجوه:
أحدها: أن الذي يقتضيه ظاهر مشافهة النبي عليه السلام إياه ليس هو دعاء النبي عليه السلام في الحقيقة، كما أن قوله ليس هو قول النبي عليه السلام، فلا يدخل في الآية من عدا النبي عليه السلام إلا بدلالة.
فإن قيل: لما جاز في المتعارف أن يقال: دعاني فلان، وإنما أرسل إليه برسول تناول لفظ الآية، دعا النبي عليه السلام إياهم شفاها، وبإرساله من أرسل، إليهم.
قيل له: قد علمنا أن دعاء النبي عليه السلام إياهم شفاها مراد بالآية، وهو حقيقة اللفظ، وما ذكرته فإنما هو مجاز، فلا يجوز دخوله في اللفظ من وجهين.
أحدهما: أن المجاز لا يستعمل إلا في موضع يقوم الدليل عليه.
والثاني: أن اللفظ متى حصل على الحقيقة انتقى دخول المجاز فيه.
وأيضا: فإن لخصمه أن يقول: ثبت أن الواحد إذا جاء فذكر أنه (مدعو من) (3) رسول الله، أنه قد حصل هناك دعاء من النبي عليه السلام، إذ ليس يثبت عندي أنه دعاء من الرسول، دون أن ينقله من يوجب خبره العلم، فيسقط الاحتجاج به، بدلالة تحتاج أن تثبت أنه قد حصل هناك دعاء من النبي عليه السلام.