المراد رجوع كل طائفة أفردت من قوم رجوعها إليهم دون غيرهم، ثم لما أوجب الإنذار على كل طائفة لقومها وأوجب عليهم الحذر بخبرها. دل ذلك على لزومها قبول خبرها وإنذارها.
وأيضا: فلو كان المراد اجتماع الطوائف للتفقه في الدين، ثم دوران جميعها في القبائل على فرقة، لكان دلالة الآية قائمة على صحة ما ذكرنا، من قبل أنهم إذا جاءوا مجتمعين جاز عليهم التواطؤ، وإذا جاز ذلك عليهم امتنع وقوع العلم بخبرهم.
وأيضا: فلو كان ذلك مشروطا في الآية لظهر العمل بها في عصر النبي عليه السلام، لأن النبي عليه السلام كان لا محالة يأمرهم بذلك، لتقوم الحجة على الخلق بهم، فلما لم يأمرهم النبي عليه السلام بالاجتماع للتفقه، ثم الدوران على القبائل للإنذار والإبلاغ عنه، بل كان يقتصر لكل قوم ما تنقله إليهم الطائفة النافرة منهم، والوافد الوارد من قبلهم. دل ذلك: على أن الحجة كانت تقوم عليهم في إبلاغهم أحكام الشريعة، بما تنقله إليهم تلك الطائفة.
فإن قيل: ما أنكرت أن تكون كل واحدة من الطوائف إنما أمرت بإنذار قومها وإبلاغها ما سمعته من النبي عليه السلام، لينتشر الخبر عنها، ويستفيض، فلا يكون في أمر كل طائفة بالإنذار دلالة على لزوم قبول خبرها، كما أمر كل واحد من الشاهدين بإقامة الشهادة على حياله، ولا دلالة فيه على جواز شهادة كل واحد منهم وحده.
قيل له: ظاهر الأمر بالإنذار يقتضي تعلق الحكم به وحده، حتى تقوم الدلالة على وقوفه على معنى آخر غيره.
ألا ترى: أن أمر الله تعالى نبيه عليه السلام بالإنذار قد اقتضى لزوم قبول خبره، دون معنى آخر ينضاف إليه.
ألا ترى: أن قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) (1) وقوله تعالى:
(وأشهدوا ذوي عدل منكم) (2) وقوله تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) (3) وقوله تعالى: (وأقيموا الشهادة لله). (4)