فإن قيل: لا دلالة منه على وجوب العمل، وإنما أكثر ما فيه الأمر بالإخبار. فما الدلالة منه على العمل به، قيل له: لما كان قوله تعالى: (لتبيننه لناس ولا تكتمونه) إخبارا منه. بوقوع بيان حكمه إذا أخبروا - دل على لزوم العمل، ووجوب التزام حكمه، لولا ذلك لم يكن ما أمروا بالإخبار بيانا لهم فيما تعبدوا به من أحكام الله تعالى، وأقل أحوال ما يوصف بوقوع البيان به، لزوم العمل به، إذا لم يوجب العلم.
ومن الدليل على ذلك أيضا: قوله تعالى: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) (1) والفرقة اسم لجماعة، وأقل الجماعة ثلاثة، ثم جعل الطائفتين الفرقة، وهي بعضها، فدل على لزوم العمل بخبر من دون الثلاثة.
وأيضا: فإن الطائفة قد يجوز أن تتناول الواحد، يدل عليه قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما). (2) وقد يتناول اثنين منهم.
ألا ترى إلى قوله تعالى (فأصلحوا بين أخويكم). (3) وكذلك قوله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) (4) قد قيل: إن أقلها واحد، فكيف ما تصرفت الحال فالطائفة اسم قد يتناول من لا يتواتر به الخبر، و قد تضمنت الآية إيجاب قبول خبرها.
فإن قال قائل: إنما أمر الطوائف بالإنذار ليتواتر به الخبر، فيقع العلم بخبرهم، ولا دلالة فيه على لزوم العمل بقول طائفة منهم إذا أخبرت.
قيل له: لا يخلو قوله تعالى: (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) (5) أن يكون المراد به رجوع الطوائف ودورانها على كل قوم على حيالهم، أو رجوع كل طائفة إلى قومها دون قوم طائفة أخرى غيرها.
فلما امتنع أن يقال للقوم الذين لم تنفر الطائفة منهم: إنها رجعت إليهم، لأنه لا يقال لمن لم يكن في قوم: إنه رجع إليهم، وإنما يقال ذلك لمن خرج منهم ثم عاد إليهم. صح أن