فإن قيل: المعنى لكي يحذروا، فلا يأمنوا أن يكون الإنذار صحيحا، فألزمه بذلك البحث عنه، حتى يعلمه من طريق التواتر إن كان صحيحا، فيصير حينئذ إلى موجب حكمه.
قيل له: إن لم يكن إنذار الطائفة قد ألزمه حكما فوجوده وعدمه سواء، إذ لا فرق بينه قبل إنذارها وبعده، ويكون حينئذ بمنزلة: احذروا طلب الآثار والسنن، لتعرف المتواتر فيها من غيره، من غير أن يكون روى له من النبي عليه السلام شئ.
وهذا يوجب إسقاط فائدة الإنذار، وإيجاب الحذر به، وما أدى إلى إسقاط فائدة الإنذار فهو ساقط، وفائدة الآية ثابتة.
ومن الناس من يحتج لقبول خبر الواحد بقوله تعالى: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون). (1) وقوله تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) (2) وقوله تعالى:
(أفنجعل المسلمين كالمجرمين) (3) ونحوه من الآي الموجبة للتفرقة بين حكم العدل والفاسق.
فمنهم: من يحتج بمجردها في لزوم خبر العدل لأمر الله إيانا بالتفرقة بينهما، وقد ثبت خبر الفاسق غير مقبول، فوجب قبول خبر العدل، لتحصل التفرقة.
ومنهم: من يضم إليها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (4) فتوكد قبول خبر العدل بمجموع الآيتين، وأوجب التثبت في، خبر الفاسق في الآية الأخرى، دل بذلك على لزوم قبول خبر العدل، وترك التثبت فيه، وهذا الضرب من الحجاج غير معتمد عندنا، لأن الآيات التي فيها إيجاب التفرقة بين العدل والفاسق لا يصح الاحتجاج خاصة موجودة بعد ورود هذه الآيات وقبلها في وجوه كثيرة.
فالمعقول من معنى هذه الآيات: إيجاب التفرقة من وجه دون وجه، ثم ليس يخلو من أن تكون الوجوه التي أوجب بها التفرقة معلومة عند المخاطبين، فيكون الحكم مقصورا