قال أبو بكر: ومعناه عندي إذا جاءوا مجتمعين متشاعرين، (1) يجوز على مثلهم التواطؤ على الكذب.
قال عيسى رحمه الله: لأن الذي يعمل عليه في ذلك: هو ما يقع لنا به من العلم الضروري، الذي لا مجال للشك معه، ولا مساغ للشبهة فيه، وذكر ما في هذا القسم، ما في القرآن من الإخبار بالغيوب، عن أمور مستقبلة، فوجد مخبره على ما أخبر به، نحو قوله تعالى: (ألم غلبت الروم في أدنى الأرض) (2) الآية، وكقوله تعالى (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) (3) الآية، وكقوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض، كما استخلف الذين من قبلهم) (4) إلى آخر الآية، ونظائر ذلك، فوجد مخبر هذه الأخبار ما أخبر به تعالى.
ونحوه: ما أخبر به النبي عليه السلام ونحو ذلك، مما لا يخفى كثرة، فوجد على ما قال ووصف. فمنه ما وجد في أيامه، ومنه ما أخبر به عما يكون بعده، فوجد على ما أخبر به.
وما ذكر من نحو ذلك أيضا: أنا إذا رأينا الناس منصرفين يوم الجمعة من طريق الجمع، فاعترضناهم سائلين لهم عن مجيئهم فقالوا: جئنا من الجامع، وقد صلينا علمنا ضرورة: أن خبرهم قد اشتمل على صدق، مع جواز الكذب على بعضهم فيما أخبر به على نفسه، وكذلك لو اعترضنا قافلة الحاج وهم راجعون من طريق مكة وسألناهم، فقالوا: حججنا، ووقفنا بعرفات، علمنا ضرورة بأن خبرهم قد اشتمل على صدق، مع جواز كون بعضهم كاذبا فيما أخبر به عن نفسه.
قال عيسى: وأما الخبر الذي يعلم كذبه حقيقة، فكنحو أخبار مسيلمة وأضرابه من المتنبئين الكذابين، أخبروا بأشياء من الأمور المستقبلة فكانت كذبا وزورا، وادعوا أن لهم