وبدارا أن يكبروا) (1) فذكر ههنا حالا لا ينتظر في دفع المال إليه بعد البلوغ. وقال تعالى في آية أخرى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) (2) فمنع إمساك (3) مال اليتيم بعد بلوغ رشده، فكان هذان الطرفان اللذان هما: حال الصغير، وحال بلوغ الرشد (منصوصا عليهما، ووكل حد بلوغ الرشد) (4) إلى اجتهادنا. فكان عنده إذا بلغ خمسا وعشرين سنة، فقد بلغ رشده، لأن مثله (يحتمل أن يكون) (5) جدا. ويمتنع في العادة أن لا يكون قد بلغ أشده من له ولد، ولولده ولد، فكذلك ساغ الاجتهاد فيه (و) (6) فارق ما وصفنا من المقادير.
وأما أبو يوسف، ومحمد: فإنهما قالا في مدة (7) نفى الولد: أربعين يوما. لأنه معلوم أن سكوته ساعة وساعتين لا يمنع جواز نفيه، وأنه لو سكت عن نفيه سنة أو سنتين لم يكن له بعد ذلك بالاتفاق، واعتبر (8) مدة النفاس الذي هو حال الولادة، وهذا مما يسوغ فيه الاجتهاد من الوجه الذي ذكرناه، وهذا نظير الاجتهاد في تقديم (9) المستهلكات، وأروش الجنايات، فيثبت مقادير القيم: أن ذلك كان على وجه التقريب لما يبتاع به الناس من الأثمان، أو ما يدخل به من النقص بالجراحة، وليس ذلك مما ذكرنا من المقادير التي لا تعلم إلا من طريق التوقيف في شئ.
وإن قال: أثبته بحجة.
قيل له: فما تلك الحجة؟ فإن ادعى نصا، أو اتفاقا، فلم يجده، وإن فزع إلى التقليد، وقال: حجتي في إثباته هو التقليد (10) نفسه، فقد أبطل، لأن المسألة لا تكون حجة