إذا لم يكن رشيدا: لا يدفع إليه ما له حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، (1) وقال أبو يوسف ومحمد: للرجل أن ينفي ولده ما لم تمض أربعون يوما، (2) ولا توقيف لهم في إثبات (شئ من) (3) هذه المقادير، ولا اتفاق، فأثبتوها من طريق الرأي والاجتهاد.
وإذا كان الرأي والاجتهاد يدخل في إثبات شئ من المقادير، لم يمتنع أن تكون الصحابة قالت بالمقادير التي ذكرت عنها من طريق الرأي. فلا يثبت به توقيف.
قيل: ليس هذا مما ذكرنا في شئ، لأنا إنما قلنا ذلك في المقادير التي هي حقوق لله تعالى، لا على جهة إيجاب الفصل بين القليل الذي قد علم، وبين الكثير الذي قد عرف، أو بين الصغير والكبير على هذا الحد، فوكل حكم الواسطة التي بينهما إلى آرائنا وما يؤدينا إليه اجتهادنا، وليس هذا من المقادير التي ذكرنا.
ألا ترى: أن القياس والاجتهاد لا يوجبان حد الزنا (مائة جلدة)، (4) ولا حد القذف ثمانين، ولا يدلان على مقادير أعداد ركعات الصلوات على اختلافها، ولا على مقادير أيام الصوم وما جرى مجراها، لأنها كلها حقوق لله تعالى مبتدأة. كذلك ما وصفنا من المقادير التي حكينا عن الصحابة هو بهذه المنزلة.