منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٧ - الصفحة ٨٣
فلعل الأولى إنكار بناء العقلاء رأسا على الاستصحاب، وان كان مثل قوله عليه السلام: (وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا) لا يخلو من ظهور في إرجاع السائل إلى ارتكازه، لكن لا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور من جهة أجنبية ما بنى عليه العقلاء - من العمل باليقين لكونه طريقا مأمونا دون متابعة الشك - لقاعدة الاستصحاب، لا سيما مع الخصوصيات المعتبرة فيه التي لا أثر منها في سيرة العقلاء. وعليه يكون (عدم نقض اليقين الشك) بيانا لقاعدة كلية أسسها الشارع الأقدس، وليس هذا من مرتكزات العقلاء حتى تكون الاخبار إمضاء لها: وهذا المعنى يمكن استفادته من بعض الاخبار الآتية، فان الراوي بعد أن تلقى القاعدة من الإمام عليه السلام سأل منه:
(هذا أصل؟) ولو كان هذا قاعدة ارتكازية لم يكن مجال لسؤال الراوي، فتدبر.
اللهم إلا أن يدفع التنافي بين كلمات المصنف (قده) بوجه آخر، بأن يقال: ان المراد بالامر الارتكازي وكذا الكلية الارتكازية هو جريان عمل العقلاء في الجملة على الاخذ بالمتيقن السابق ما لم ينقض بيقين آخر، فان سيرتهم جرت على ذلك من دون استنادها إلى دليل تعبدي من كتاب أو سنة، بل إلى مرتكزاتهم، فان اليقين لما فيه من الابرام لا يرفع اليد عنه بمجرد الاحتمال، بل يبنون على بقائه ما لم يعلموا بزواله، إلا إذا ضعف احتمال بقائه مع كون مخالفته أهم في نظرهم من موافقته، ولا مانع من إمضاء هذا البناء العقلائي مع قيود كسائر موارد إمضاء الشارع كالبيع وغيره، فتدبر.
وأما إشكال المصنف على بناء العقلاء فليس راجعا إلى إنكار أصل البناء، بل إلى تعبديته، حيث قال: (وفيه أولا منع استقرار بنائهم على ذلك تعبدا) ضرورة أن المنع راجع إلى القيد - وهو التعبد - لا إلى أصل استقرار بنائهم، إذ من المعلوم أن العقلاء بما هم عقلا ليس بناؤهم على العمل بشئ تعبدا، بل لا بد من استنادهم فيه إلى وجه ربما يختلف باختلاف أنظارهم. وأما نفس الجري