استقلال بالذات، بل هي عين الربط لا ذات له الربط.
وأفاد في وجه ذلك ما ملخصه: أن المعاني الحرفية تباين الاسمية ذاتا بدون أن تشتركا في طبيعي معنى واحد، فإن الفرق بين الاسم والحرف لو كان بمجرد اللحاظ الآلي والاستقلالي وكانا متحدين في المعنى لكان قابلا لأن يوجد في الخارج على نحوين كما يوجد في الذهن كذلك، مع أن المعاني الحرفية: كأنحاء النسب والروابط لا توجد في الخارج إلا على نحو واحد وهو الوجود لا في نفسه.
وبيان ذلك: أن الفلاسفة قد قسموا الوجود على أقسام أربعة:
القسم الأول: وجود الواجب تعالى شأنه، فإن وجوده في نفسه ولنفسه وبنفسه، يعني: أنه موجود قائم بذاته، وليس بمعلول لغيره، فالكائنات التي يتشكل منها العالم بشتى ألوانها وأشكالها معلولة لوجوده تعالى وتقدس، فإنه سبب أعمق، واليه تنتهي سلسلة العلل والأسباب بشتى أشكالها وأنحائها.
القسم الثاني: وجود الجوهر، وهو وجود في نفسه ولنفسه ولكن بغيره، يعني:
أنه قائم بذاته، لكنه معلول لغيره، ولذا يقال: الجوهر ما يوجد في نفسه لنفسه.
القسم الثالث: وجود العرض، وهو وجود في نفسه ولغيره، يعني: أنه غير قائم بذاته، بل متقوم بموضوع محقق في الخارج وصفة له، فإن وجوده في نفسه عين وجوده لموضوعه، فلا يعقل تحقق عرض ما بدون موضوع موجود في العين، ولذا يقال: العرض ما يوجد في نفسه لغيره، ويسمى ذلك الوجود بالوجود الرابطي في الاصطلاح.
القسم الرابع: الوجود الرابط في مقابل الوجود الرابطي، وهو وجود لا في نفسه، فإن حقيقة الربط والنسبة لا توجد في الخارج إلا بتبع وجود المنتسبين من دون نفسية واستقلال لها أصلا، فهي بذاتها متقومة بالطرفين لا في وجودها، وهذا بخلاف العرض فإن ذاته غير متقومة بموضوعه، بل لزوم القيام به ذاتي وجوده.