وحيث إن المرجح لاختيار طبيعي الوضع والتخصيص موجود فهو كاف في تخصيص الواضع وجعله لكل معنى لفظا مخصوصا وإن فقد الترجيح بين كل فرد من أفراده.
على أنه لا يعقل تحقق المناسبة المذكورة بين جميع الألفاظ والمعاني، لاستلزام ذلك تحققها بين لفظ واحد ومعاني متضادة أو متناقصة، كما إذا كان للفظ واحد معان كذلك: كلفظ " جون " الموضوع للأسود والأبيض، ولفظ " القرء " للحيض والطهر، وغيرهما وهو غير معقول، فإن تحققها بين لفظ واحد ومعان كذلك يستلزم تحققها بين نفس هذه المعاني كما لا يخفى.
وثانيا: سلمنا امتناع الترجيح بلا مرجح، إلا أن المرجح غير منحصر بالمناسبة المزبورة كي يلزم الالتزام بها، بل يكفي فيه وجود مرجح ما وإن كان أمرا اتفاقيا، ضرورة أن العبرة إنما هي بما لا يلزم معه الترجيح بلا مرجح، سواء كان ذاتيا أو اتفاقيا.
على أن المرجح لا بد وأن يقوم بالفعل الصادر من الفاعل، فيجوز أن يكون الرجحان في نفس الوضع وإن لم يكن هناك مناسبة بين اللفظ والمعنى.
وأما الكلام في الجهة الثانية: فقد اختار المحقق النائيني (قدس سره) أن الله تبارك وتعالى هو الواضع الحكيم، وقال في وجهه: فإنا نقطع بحسب التواريخ التي بين أيدينا أنه ليس هنا شخص أو جماعة وضعوا الألفاظ المتكثرة في لغة واحدة لمعانيها التي تدل عليها فضلا عن سائر اللغات. كما أنا نرى - وجدانا - عدم الدلالة الذاتية، بحيث يفهم كل شخص من كل لفظ معناه المختص به، بل الله تبارك وتعالى هو الواضع الحكيم، جعل لكل معنى لفظا مخصوصا باعتبار مناسبة بينهما مجهولة عندنا، وجعله تبارك وتعالى هذا واسطة بين جعل الأحكام الشرعية المحتاج إيصالها إلى إرسال رسل وإنزال كتب، وجعل الأمور التكوينية التي جبل الإنسان على إدراكها: كحدوث العطش عند احتياج المعدة إلى الماء ونحو ذلك.