وعلى الجملة: فالدلالة التصورية بعد العلم بالوضع أمر قهري خارج عن الاختيار.
القسم الثاني: الدلالة التفهيمية المعبر عنها بالدلالة التصديقية أيضا، لأجل تصديق المخاطب المتكلم بأنه أراد تفهيم المعنى للغير، وهي: عبارة عن ظهور اللفظ في كون المتكلم به قاصدا لتفهيم معناه. وهذه الدلالة تتوقف زائدا على العلم بالوضع على إحراز أنه في مقام التفهيم، ولم ينصب قرينة متصلة على الخلاف، بل لم يأت في الكلام بما يصلح للقرينية، فإنه يهدم الظهور ويوجب الإجمال لا محالة، فلو لم يكن في ذلك المقام فلا ظهور ولا دلالة على الإرادة التفهيمية أصلا.
كما أن وجود القرينة المتصلة مانع عن الظهور التصديقي.
وعلى الجملة: فهذه الدلالة تتقوم بكون المتكلم في مقام التفهيم، وبعدم وجود قرينة متصلة في الكلام.
القسم الثالث: الدلالة التصديقية: وهي دلالة اللفظ على أن الإرادة الجدية على طبق الإرادة الاستعمالية، وهذه الدلالة ثابتة ببناء العقلاء، إلا أنها تتوقف زائدا على ما مر على إحراز عدم وجود قرينة منفصلة على الخلاف، وإلا فلا يكون الظهور كاشفا عن الإرادة الجدية في مقام الثبوت، فإن وجود القرينة المنفصلة مانع عن حجيته.
والحاصل: أن بناء العقلاء قد استقر على أن الإرادة التفهيمية مطابقة للإرادة الجدية ما لم تقم قرينة على عدم التطابق.
وبعد ذلك نقول: قد وقع الكلام بين الأعلام في أن الدلالة الوضعية هل هي الدلالة التصورية أو أنها الدلالة التصديقية؟ فالمعروف والمشهور بينهم هو الأول، بتقريب أن الانتقال إلى المعنى عند تصور اللفظ لا بد أن يستند إلى سبب، وذلك السبب: إما الوضع أو القرينة، وحيث إن الثاني منتف لفرض خطور المعنى في الذهن بمجرد سماع اللفظ فيتعين الأول.