ثم إن مرادنا من العرض: مطلق ما يلحق الشئ، سواء أكان من الأمور الاعتبارية أم من الأمور المتأصلة الواقعية، لا خصوص ما يقابل الجوهر.
وأما الكلام في الجهة الثالثة: فقد اشتهر أن تمايز العلوم بعضها عن بعض بتمايز الموضوعات.
وقد خالف في ذلك صاحب الكفاية (قدس سره) واختار أن تمايز العلوم بتمايز الأغراض المترتبة عليها الداعية إلى تدوينها: (كالاقتدار على الاستنباط) في علم الأصول، و (صون اللسان عن الخطأ في المقال) في علم النحو، و (صون الفكر عن الخطأ في الاستنتاج) في علم المنطق، وهكذا...
وأورد على المشهور بما ملخصه: أن الملاك في تمايز العلوم لو كان تمايز موضوعاتها فلازمه أن يكون كل باب، بل كل مسألة علما على حدة، لتحقق هذا الملاك فيهما (1).
والتحقيق في المقام أن يقال: إن إطلاق كل من القولين ليس في محله.
وبيان ذلك: أن التمايز في العلوم: تارة يراد به التمايز في مقام التعليم والتعلم، لكي يقتدر المتعلم ويتمكن من تمييز كل مسألة ترد عليه، ويعرف أنها مسألة أصولية، أو مسألة فقهية، أو غيرهما.
واخرى يراد به التمايز في مقام التدوين، وبيان ما هو الداعي والباعث لاختيار المدون عدة من القضايا والقواعد المتخالفة، وتدوينها علما واحدا، وتسميتها باسم فارد، واختياره عدة من القضايا والقواعد المتخالفة الأخرى، وتدوينها علما آخر، وتسميتها باسم آخر، وهكذا.
أما التمايز في المقام الأول: فيمكن أن يكون بكل واحد من الموضوع والمحمول والغرض، بل يمكن أن يكون ببيان فهرس المسائل والأبواب إجمالا.
والوجه في ذلك: هو أن حقيقة كل علم حقيقة اعتبارية، وليست وحدتها