الكم والكيف والوضع، وفي مرحلة استعمالها تلاحظ آليا فكذلك وضع الألفاظ واستعمالاتها من هذه الناحية.
وعلى الجملة: أن لحاظ اللفظ آليا في مرحلة الاستعمال لا يلازم اعتبار وجوده وجودا للمعنى حال الوضع بوجه.
القول الثالث: ما عن بعض مشايخنا المحققين (قدس سرهم) قال: وقد لا يكون المعنى المعتبر تسبيبيا كالاختصاص الوضعي، فإنه لا حاجة في وجوده إلا إلى اعتبار من الواضع، ومن الواضح أن اعتبار كل معتبر قائم به بالمباشرة، لا بالتسبيب كي يتسبب إلى اعتبار نفسه بقوله: (وضعت) ونحوه، فتخصيص الواضع ليس إلا اعتباره الارتباط والاختصاص بين لفظ خاص ومعنى خاص.
ثم إنه لا شبهة في اتحاد حيثية دلالة اللفظ على معناه، وكونه بحيث ينتقل من سماعه إلى معناه مع حيثية سائر الدوال: كالعلم المنصوب على رأس الفرسخ فإنه أيضا ينتقل من النظر إليه إلى أن هذا الموضع رأس الفرسخ.
غاية الأمر: أن الوضع فيه حقيقي، وفي اللفظ اعتباري، بمعنى: أن كون العلم موضوعا على رأس الفرسخ خارجي ليس باعتبار معتبر، بخلاف اللفظ، فإنه كأنه وضع على المعنى ليكون علامة عليه، فشأن الواضع اعتبار وضع لفظ خاص على معنى خاص.
ومنه ظهر: أن الاختصاص والارتباط من لوازم الوضع لا عينه، وحيث عرفت اتحاد حيثية دلالة اللفظ مع حيثية دلالة سائر الدوال تعرف أنه لا حاجة إلى الالتزام بأن حقيقة الوضع تعهد ذكر اللفظ عند إرادة تفهيم المعنى كما عن بعض أجلة العصر (1) فإنك قد عرفت أن كيفية الدلالة والانتقال في اللفظ وسائر الدوال على نهج واحد بلا إشكال. فهل ترى تعهدا من ناصب العلم على رأس الفرسخ؟ بل ليس هناك إلا وضعه عليه بداعي الانتقال من رؤيته إليه، فكذلك