بلا نظر لها إلى كونه محكوما بالإمكان في الخارج أو بالضرورة أو بالامتناع، فإن كل ذلك أجنبي عن مدلولها، ومن هنا يكون استعمالها في الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد بلا لحاظ عناية في شئ منها.
نعم، إنها تحدث الضيق في مقام الإثبات والدلالة، وإلا لبقيت المفاهيم الاسمية على إطلاقها وسعتها، وهذا غير كون معانيها إيجادية، وكم فرق بين الإيجادية بهذا المعنى والإيجادية بذلك المعنى!.
وأما بحسب مقام الثبوت فهي تكشف عن تعلق قصد المتكلم بإفادة ضيق المعنى الاسمي، فما يستعمل فيه الحرف ليس إلا الضيق في عالم المفهومية، من دون لحاظ نسبة خارجية حتى في الموارد الممكنة كما في الجواهر والأعراض، فضلا عن ما يستحيل فيه تحقق نسبة ما، كما في صفات الواجب تعالى وما شاكلها.
وعلى الجملة: حيث إن الأغراض تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والحالات فالمستعملين بمقتضى تعهداتهم النفسانية يتعهدون أن يتكلموا بالحروف أو ما يشبهها عند تعلق أغراضهم بتفهيم حصص المعاني وتضييقاتها. فلو أن أحدا تعلق غرضه بتفهيم الصلاة الواقعة بين زوال الشمس وغروبها يبرزه بقوله:
" الصلاة فيما بين الحدين حكمها كذا "، وهكذا...
وملخص ما ذكرناه في المقام: هو أن المفاهيم الاسمية وإن كان بعضها أوسع من بعضها الآخر - مثلا: مفهوم الممكن أوسع من مفهوم الوجود، وهو أوسع من مفهوم الجوهر، وهكذا إلى أن ينتهي إلى مفهوم لا يكون تحته مفهوم آخر، ولكل واحد منها لفظ مخصوص يدل عليه عند الحاجة إلى تفهيمه - إلا أن حصصها أو حالاتها غير المتناهية لم توضع بإزاء كل واحدة منها لفظ خاص كي يدل عليها عند الحاجة، وذلك لعدم تناهيها، فإذا ما هو الذي يوجب إفادتها في الخارج؟
وليس ذلك إلا الحروف أو ما يشبهها بالتقريب الذي قدمناه: من أن الواضع تعهد بذكر حرف خاص عند قصد تفهيم حصة خاصة من المعنى، ففي كل مورد قصد