مناسبة ذاتية بينهما (1).
وفيه: أنه لو أريد بذاتية الدلالة: أن الارتباط الذاتي والمناسبة الذاتية بينهما بحد يوجب أن يكون سماع اللفظ علة تامة لانتقال الذهن إلى معناه - فبطلانه من الوضوح بمكان لا يقبل النزاع - فإن لازم ذلك تمكن كل شخص من الإحاطة بتمام اللغات، فضلا عن لغة واحدة.
ولو أريد أن الارتباط المزبور والمناسبة المزبورة بينهما بحد يوجب أن يكون سماع اللفظ مقتضيا لانتقال الذهن إلى معناه - أي: أن المناسبة اقتضائية لا علة تامة - ففيه: أن ذلك وإن كان بمكان من الإمكان ثبوتا وقابلا للنزاع - إذ لا مانع عقلا من ثبوت هذا النحو من المناسبة بين الألفاظ ومعانيها، نظير الملازمة الثابتة بين أمرين، فإنها ثابتة في الواقع والأزل، بلا توقف على اعتبار أي معتبر أو فرض أي فارض، وبلا فرق بين أن يكون طرفاها ممكنين، أو مستحيلين، أو مختلفين، إذ صدقها لا يتوقف على صدق طرفيها فهي صادقة مع استحالتهما كما في قوله تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (2). نعم، إن سنخ ثبوتها غير سنخ ثبوت المقولات: كالجواهر والأعراض، ولذا ليست داخلة تحت شئ منها - إلا أنه لا دليل على ثبوتها كذلك في مرحلة الإثبات، فلا يمكن الالتزام بها.
وأما ما قيل: من أنه لولا هذه المناسبة بين الألفاظ والمعاني لكان تخصيص الواضع لكل معنى لفظا مخصوصا بلا مرجح، وهو محال: كالترجح بلا مرجح، أي: وجود حادث من دون سبب وعلة (3) فيرد عليه:
أولا: أن المحال هو الثاني دون الأول، بل لا قبح فيه، فضلا عن الاستحالة إذا كان هناك مرجح لاختيار طبيعي الفعل، مع فقد الترجيح بين أفراده ومصاديقه على ما يأتي بيانه في " الطلب والإرادة " إن شاء الله تعالى.