أما الوضع التعييني في المقام - بأن كان الشارع المقدس قد تصدى للوضع صريحا - فهو مقطوع العدم، ضرورة أنه لو كان كذلك لنقل إلينا بالتواتر، كيف ولم ينقل حتى بخبر الواحد؟! وذلك لعدم المانع منه، مع توفر الداعي على نقله. وليس الوضع كمسألة الخلافة ونحوها، لتوفر الدواعي هناك على إخفائها وكتمانها دونه.
وأما الوضع التعييني بمعنى آخر بأن يكون الوضع متحققا بنفس الاستعمال - كما ذكره المحقق صاحب الكفاية (1) (قدس سره) - فيقع الكلام في إمكانه أولا، وفي وقوعه ثانيا، فهنا مقامان:
أما الكلام في المقام الأول: فقد اختار شيخنا الأستاذ (قدس سره) عدم إمكانه، بدعوى: أن حقيقة الاستعمال إفناء اللفظ في المعنى وإلقاء المعنى في الخارج، بحيث تكون الألفاظ مغفولا عنها، فالاستعمال يقتضي أن يكون النظر إلى الألفاظ آليا، والوضع يستدعي أن يكون النظر إلى الألفاظ استقلاليا، فالجمع بين الوضع والاستعمال في شئ يلازم الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي، وهو غير معقول (2).
والتحقيق: أن الوضع سواء كان بمعنى التعهد والالتزام النفساني، أو بمعنى اعتبار نفساني على تمام أنحائه في مرتبة متقدمة على الاستعمال.
أما على الأول: فواضح، ضرورة أن التعهد والتباني بذكر لفظ خاص عند إرادة تفهيم معنى ما يكون مقدما على الاستعمال لا محالة، من دون فرق بين أن يكون إبراز هذا التعهد بمثل كلمة " وضعت "، أو نحوها الدالة على التعهد بالمطابقة، أو يكون المبرز نفس الاستعمال الدال على ذلك بالالتزام بمعونة القرينة.
وأما على الثاني: فلأن اعتبار الملازمة أو نحوها بين لفظ خاص ومعنى ما مقدم على الاستعمال بالضرورة، وإن كان المبرز لذلك الاعتبار نفس الاستعمال