وقد استدلوا على ذلك - أي: على الوجود الرابط في مقابل الوجود الرابطي -:
بأن كثيرا ما كنا نتيقن بوجود الجوهر والعرض، ولكن نشك في ثبوت العرض له، ومن الواضح جدا أنه لا يعقل أن يكون المتيقن بعينه هو المشكوك فيه، بداهة استحالة تعلق صفة اليقين والشك بشئ في آن واحد، لتضادهما غاية المضادة، وبذلك نستدل على أن للربط والنسبة وجودا في مقابل وجود الجوهر والعرض، وهو مشكوك فيه دون وجودهما.
أما أن وجوده وجود لا في نفسه فلأن النسبة والربط لو وجدت في الخارج بوجود نفسي لزمه أن لا يكون مفاد القضية الحملية ثبوت شئ لشئ، بل ثبوت أشياء ثلاثة، فيحتاج - حينئذ - إلى الرابطة بين هذه الموجودات الثلاثة، فإذا كان موجودا في نفسه احتجنا إلى رابطة، وهكذا إلى ما لا يتناهى.
ويترتب على ذلك: أن الأسماء موضوعة للماهيات القابلة للوجود المحمولي (الوجود في نفسه) بجواهرها وأعراضها على نحوين، كما توجد في الذهن كذلك والتي تقع في جواب (ما هو) إذا سئل عن حقيقتها.
والحروف والأدوات موضوعة للنسب والروابط الموجودات، لا في أنفسها المتقومة بالغير بحقيقة ذاتها لا بوجوداتها فقط، ولا تقع في جواب (ما هو)، فإن الواقع في جواب (ما هو) ما كان له ماهية تامة، ووجود الرابط سنخ وجود لا ماهية له، ولذا لا يدخل تحت شئ من المقولات، بل كان وجوده أضعف جميع مراتب الوجودات.
ومن هنا يظهر: أن تنظير المعنى الحرفي والاسمي بالجوهر والعرض في غير محله، إذ العرض موجود في نفسه لغيره.
ثم إن الحروف والأدوات لم توضع لمفهوم النسبة والربط فإنه من المفاهيم الاسمية الاستقلالية في عالم مفهوميتها، وإنما الموضوع لها الحروف واقع النسبة