ومحذور الامتناع إنما جاء في تعدد الوضع.
ثم لو قلنا بإمكان الاشتراك فلا مانع من وقوعه في كلام الفصحاء والبلغاء، ومن استعمال اللفظ المشترك عند أهل المحاورة.
وقد يتوهم عدم إمكان استعماله في القرآن الحكيم، وذلك لأن الله تعالى: إما أن يعتمد في بيان المراد منه على القرائن الدالة على ذلك فيلزم التطويل بلا طائل، وإما أن لا يعتمد على شئ في ذلك فيلزم الإهمال والإجمال، وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى، ولكنه فاسد.
أما الأول: فلمنع لزوم التطويل بلا طائل إذا كان الاتكال على القرائن الحالية، فإن القرائن لا تنحصر بالمقالية، ومنع كونه بلا طائل إذا كان الإتيان بها لغرض آخر زائدا على بيان المراد.
وأما الثاني: فلمنع كون الإجمال غير لائق بكلامه تعالى، فإن الغرض قد يتعلق بالإجمال والإهمال كما أخبر هو - تعالى وتقدس - بوقوعه في كلامه بقوله عز من قائل: * (فيه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات) * (1)، فالمتشابه هو المجمل، وقد وقع في القرآن العزيز في غير مورد، ولا مانع منه أصلا إذا تعلق الغرض به ودعت الحاجة إلى الإتيان بذلك.
وأما الكلام في الجهة الثانية: فالمشهور بينهم أن منشأ الاشتراك الوضع، تعيينا كان أو تعينا.
ولكن نقل شيخنا الأستاذ (2) (قدس سره) عن بعض مؤرخي متأخري المتأخرين: أن المنشأ لحصول الاشتراك في اللغات خلط اللغات بعضها ببعض، فإن العرب - مثلا - كانوا على طوائف: فطائفة منهم قد وضعت لفظا خاصا لمعنى مخصوص، وطائفة ثانية قد وضعته لمعنى آخر، وطائفة ثالثة قد وضعته لمعنى ثالث..،