إسناد الجري إلى النهر أو الميزاب، لا في الكلمة، وهذا من دون فرق بين أن يكون مفهوم المشتق مركبا أو بسيطا، كما هو واضح.
ومن هنا يظهر ما في كلام الفصول: من أنه يعتبر في صدق المشتق واستعماله في ما وضع له حقيقة أن يكون الإسناد والتطبيق أيضا حقيقيا، فاستعمال المشتق في مثل قولنا: " الميزاب جار " ليس استعمالا في معناه الحقيقي، فإن التلبس والإسناد فيه ليس بحقيقي (1)، وذلك لأن ما ذكره (قدس سره) مبني على الخلط بين المجاز في الكلمة والمجاز في الإسناد بتخيل أن الثاني يستلزم الأول، مع أن الأمر ليس كذلك، فإن كلمتي: " سائل وجار " في مثل قولنا: " الميزاب جار " أو: " النهر سائل " استعملتا في معناهما الموضوع له، وهو المتلبس بالمبدأ فعلا، غاية الأمر: تطبيق هذا المعنى على النهر أو الميزاب إنما هو بنحو من التوسعة والعناية، وهذا معنى مجاز في الإسناد دون الكلمة. فما أفاده (قدس سره): من اعتبار الإسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة في غير محله.
يتلخص هذا البحث حول الموضوعات المتقدمة في عدة أمور:
الأول: أن محل البحث في مفاهيم المشتقات هو بساطتها وتركيبها بحسب الواقع والتحليل العقلي، لا بحسب الإدراك واللحاظ كما يظهر من الكفاية على ما مر.
الثاني: أن الذات المأخوذة فيها مبهمة من جميع الجهات والخصوصيات، ما عدا قيام المبدأ بها، ولذا تصدق على الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد.
الثالث: أن جميع الوجوه التي أقاموها على بطلان القول بالتركيب باطلة فلا يمكن الاعتماد على شئ منها.
الرابع: أن القول بوضع المشتق للمعنى المركب من مفهوم الذات دون البسيط هو الصحيح، لدلالة الوجدان والبرهان عليه كما سبق.