كذلك فالاستعمال استعمال في الموضوع له، وهذا واضح.
ثم لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا أن الوضع ليس عبارة عن مجرد أمر نفساني: من تعهد، واعتبار ملازمة، ونحو ذلك، بل للإبراز دخل في حقيقة الوضع جزءا أو قيدا، وبدونه لا يتحقق الوضع، كما هو الحال في مثل عنوان البيع والتجارة والهبة والصلح وما شاكل ذلك، فإن هذه العناوين لا تتحقق عرفا، ولا تصدق خارجا على مجرد الاعتبار النفساني ما لم يبرزه في الخارج بمبرز من قول أو فعل، فللإبراز دخل فيها جزءا أو قيدا، مثلا: عنوان البيع لا يصدق عرفا على مجرد اعتبار البائع ملكية المبيع لزيد - مثلا - واعتبار زيد تملكه لنفسه بعوض معلوم ما لم يبرزه البائع بقوله: " بعت "، أو " ملكت "، والمشتري بقوله: " اشتريت "، أو " قبلت "، فالبيع: عبارة عن الأمر الاعتباري الخاص المبرز في الخارج بمبرز، وهكذا غيره، فلو سلمنا أن الوضع أيضا كذلك فلا يكون هذا الاستعمال استعمالا في غير ما وضع له.
والوجه في ذلك: هو أنه لا يعتبر في كون الاستعمال حقيقيا واستعمالا في الموضوع له تقدم الوضع على الاستعمال، بل غاية ما يقتضيه ذلك هو أن لا يكون الوضع متأخرا عن الاستعمال، فيكفي في كون الاستعمال حقيقيا مقارنة الوضع معه زمانا، والمفروض: أن الوضع والاستعمال في مقامنا هذا كذلك، وإن كان الاستعمال مقدما عليه طبعا ورتبة باعتبار أنه جزؤه أو قيده إلا أنه لا يوجب تقدمه عليه زمانا.
وقد تحصل من ذلك بوضوح: أن هذا الاستعمال استعمال في الموضوع له ولو قلنا بأن الوضع يتحقق بنفس ذلك الاستعمال، وأنه الجزء الأخير والمتمم لتحققه.
وكيف كان فقد ذكر صاحب الكفاية (قدس سره) ما نصه:
فدعوى: الوضع التعييني في الألفاظ المتداولة في لسان الشارع هكذا قريبة جدا، ومدعي القطع به غير مجازف قطعا، ويدل عليه تبادر المعاني الشرعية منها