وهكذا، ولما جمعت اللغات من جميع هذه الطوائف وجعلت لغة واحدة حدث الاشتراك، وكذلك الحال في الترادف فإنه قد حصل من جمع اللغات، وإلا فالمعنى كان يعبر عنه في كل لغة بلفظ واحد.
وعلى الجملة: فالمنشأ لوجود الاشتراك وتحققه في اللغة العربية وغيرها هو جمع اللغات وخلط بعضها ببعض، وإلا فلا اشتراك في البين أصالة وبالذات.
وفيه: أن ما ذكره هذا القائل وإن كان ممكنا في نفسه إلا أن الجزم به مشكل جدا، ولا سيما بنحو الموجبة الكلية، لعدم الشاهد عليه من الخارج، حيث إنه مما لم ينقل في كتب التأريخ ولا غيره، ومجرد نقل مؤرخ حسب اجتهاده لا يكون دليلا عليه بعد عدم نقل غيره إياه. بل ربما يبعد ذلك وقوع الاشتراك في الأعلام الشخصية، فإن شخصا واحدا كالأب - مثلا - يضع لفظا واحدا لأولاده المتعددين لمناسبة ما، كما نجد ذلك في أولاد الحسين (عليهم السلام)، فإنه (عليه السلام) قد وضع لفظ " علي " لثلاثة من أولاده، فيكون كل واحد منهم مسمى بذلك اللفظ على نحو الاشتراك فيه، والتمييز بينهم في مقام التفهيم كان بالأكبر والأوسط والأصغر.
وكيف كان، فلا يهمنا تحقيق ذلك وإطالة الكلام فيه بعد أن كان الاشتراك ممكنا في نفسه، بل واقعا كما في أعلام الأشخاص، بل في أعلام الأجناس.
ونتيجة البحث عن الاشتراك أمور:
الأول: أن الاشتراك على مسلك القوم في الوضع ممكن، وعلى مسلكنا فيه غير ممكن إلا على الوجه الذي قدمناه (1).
الثاني: أن استعمال اللفظ المشترك في القرآن جائز فضلا عن غيره.
الثالث: أن منشأ الاشتراك أحد أمرين: إما الوضع، أو الجمع بين اللغات على سبيل منع الخلو.