الالتزام بذلك كما سيأتي بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى.
وأما ما ذكره (قدس سره) ثالثا: من أن معاني الأسماء إخطارية، ومعاني الحروف إيجادية ففيه: أن المعاني الاسمية وإن كانت إخطارية تخطر في الأذهان عند التكلم بألفاظها - سواء أكانت في ضمن تركيب كلامي أم لم تكن - إلا أن المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية ليست بإيجادية، وذلك لأن المعاني الحرفية وإن كانت غير مستقلة في أنفسها ومتعلقة بالمفاهيم الاسمية بحد ذاتها وعالم مفهوميتها بحيث لم يكن لها أي استقلال في أي وعاء فرض وجودها من ذهن أو خارج إلا أن هذا كله لا يلازم كونها إيجادية بالمعنى الذي ذكره (قدس سره)، لأن ربط الحروف بين المفاهيم الاسمية في التراكيب الكلامية غير المربوطة بعضها ببعض إنما هو من جهة دلالتها على معانيها التي وضعت بإزائها، لا من جهة إيجادها المعاني الربطية في مرحلة الاستعمال والتركيب الكلامي.
مثلا: كلمة " في " في قولهم: " زيد في الدار " باعتبار دلالتها على معناها الموضوع له رابطة بين جزئي هذا الكلام غير المربوط أحدهما بالآخر ذاتا، لا أنها توجد الربط في نفس ذلك التركيب، ولا واقع له في غير التركيب الكلامي، فكما أن الأسماء تحكي عن مفاهيمها الاستقلالية في حد أنفسها في عالم مفهوميتها كذلك الحروف تحكي عن المفاهيم غير المستقلة كذلك.
فالكاشف في مقام الإثبات عن تعلق قصد المتكلم في مقام الثبوت بإفادة المعاني الاستقلالية هو الأسماء، والكاشف عن تعلق قصده كذلك بإفادة المعاني غير الاستقلالية هو الحروف وما يحذو حذوها.
ونتيجة ذلك: عدم الفرق بين الاسم والحرف إلا في نقطة واحدة، وهي: أن المعنى الاسمي مستقل بحد ذاته في عالم المعنى، وبذلك يكون إخطاريا، والمعنى الحرفي غير مستقل كذلك فلا يخطر في الذهن إلا بتبع معنى استقلالي، وهذا لا يستلزم كونه إيجاديا.