كالعناوين الذاتية، فإن الإمكان - مثلا - منتزع عن مقام ذات الممكن وهو الإنسان، لا عن أمر خارج عن مقام ذاته، وإلا فلازمه أن يكون الممكن في مرتبة ذاته خاليا عن الإمكان ولا يكون متصفا به، وحينئذ لزم انقلاب الممكن إلى الواجب أو الممتنع، لاستحالة خلو شئ عن أحد المواد الثلاث.
أو فقل: إن المواد الثلاث - أعني بها: الوجوب والإمكان والامتناع - وإن كانت خارجة عن ذات الشئ وذاتياته، لأنها نسبة إلى وجود الشئ الخارج عن مقام ذاته إلا أنها منتزعة عن ذلك المقام، فلا يعقل أن تخلو ماهية من الماهيات عن إحدى هذه المواد الثلاث في حال من الأحوال، وهكذا العلية والمعلولية فإنهما وإن كانتا خارجيتين عن مقام ذات العلة وذات المعلول إلا أنهما منتزعتان عن نفس ذاتهما لا عن خارج مقام الذات، فلا يعقل زوال المادة مع بقاء الذات، وإلا للزم اتصاف ذات العلة وذات المعلول بغيرهما، وهو كما ترى.
ولكن بالتأمل فيما ذكرناه يظهر الجواب عنه، وذلك لأن البحث في المشتق - كما أشرنا إليه آنفا - إنما هو في وضع الهيئة فقط بلا اختصاص لها بمادة دون مادة، لما تقدم سابقا (1): من أن وضع الهيئات نوعي لا شخصي، مثلا: هيئة " فاعل " وضعت لمعنى، وهيئة " مفعول " وضعت لمعنى، وزنة " مفعل " - وهي: اسم فاعل من باب الإفعال - وضعت لمعنى، وهكذا...
ومن الواضح أن عدم جريان النزاع في بعض أفراد الهيئة من جهة عدم إمكان بقاء الذات فيها مع زوال المبدأ لا يوجب عدم جريانه في كلي الهيئة التي تعم ما يعقل فيه بقاء الذات مع انقضاء المبدأ، ولا يكون البحث - حينئذ - من سعة مفهوم هذه الهيئة وضيقه لغوا بعد ما كانت الذات باقية حال الانقضاء في جملة من المواد.
وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن النزاع في وضع هيئة " مفعل " وهيئة " فاعل "