وأما بناء على جعل الحجية: فإن قلنا: بأن للحجة وجودا واقعيا وإن لم نعثر عليها، ينحل العلم بها.
وإن قلنا: بأن لا معنى للوجود الواقعي لها، بل الحجة إنما تتقوم بالعلم، فلا ينحل العلم الإجمالي، لأنها حادثة عند تحقق العلم، والتكليف الحادث مما لا ينحل العلم [به] كما أشرنا إليه سابقا (1).
هذا ولكن يمكن أن يقال بالانحلال في هذه الصورة أيضا، لأن الحجة وإن كانت حادثة، لكنها حجة على التكليف الواقعي من أول الأمر، وقد عرفت (2) أن ميزان الانحلال بمقارنة المعلوم بالتفصيل للمعلوم بالإجمال، أو تقدمه عليه، من غير دخالة لتقدم العلم وتأخره.
هذا مضافا إلى أن لا معنى لجعل الحجية، بل قد عرفت سابقا (3) أن خبر الثقة أمارة عقلائية أمضاها الشارع، وحجة عند العقلاء لأجل كشفه عن الواقع وطريقيته إليه، والحجية من آثار الطريقية، وأما نفس الحجية - أي احتجاج المولى على العبد، وهو عليه - فهي غير قابلة للجعل. نعم جعل الأمارة بحيث ينتزع منها الحجية ممكن، لكنه غير جعل الحجية.