وبهذا يتضح الضابط في الشبهة الغير المحصورة، وهو أن الكثرة تكون بمثابة لايعتنى العقلاء باحتمال كون الواقع في بعض الأطراف في مقابل البقية، لضعف الاحتمال الحاصل لأجل الكثرة (1).
(1) ويمكن الاستدلال على المطلوب بطوائف من الروايات:
منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: (كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا، حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه) (أ) فهي ظاهرة في خصوص العلم الإجمالي كما قررنا سابقا (ب) خرج منها الشبهة المحصورة إما بالإجماع أو العقل، وبقيت الشبهة الغير المحصورة.
وتوهم ندرة الغير المحصورة في غاية السقوط، ضرورة أن غالب الشبهات غير محصورة، وقد تتفق المحصورة لبعض المكلفين.
ومنها: الروايات الواردة في باب الجبن، كمرسلة معاوية بن عمار عن أبي جعفر، وفيها: (سأخبرك عن الجبن وغيره: كل شئ فيه الحلال والحرام فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام فتدعه بعينه) (ج) وقريب منها رواية عبد الله بن سليمان (د).
ومصب هذه الروايات هو الشبهة الغير المحصورة، كما تشهد به رواية أبي الجارود، قال: (سألت أبا جعفر عن الجبن، فقلت له: أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة، فقال:
أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم ما في جميع الأرضين؟! إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله، وإن لم تعلم فاشتر، وبع، وكل، والله إني لأعترض السوق فأشتري بها اللحم والجبن، والله ما أظن كلهم يسمون، هذه البربر وهذه السودان) (ه)؟!
وأورد عليها الشيخ الأعظم: باحتمال أن المراد جعل الميتة في الجبن في مكان واحد لا يوجب الاجتناب عن جبن غيره من الأماكن، فيكون خارجا عن المدعي، وأما قوله:
(ما أظن كلهم يسمون) فالمراد منه عدم وجوبالظن أو القطع بالحلية، بل يكفي أخذها من سوق المسلمين، إلا أن يقال: إن سوق المسلمين غير معتبر مع العلم الإجمالي، فلا مسوغ للارتكاب إلا كون الشبهة غير محصورة. ثم أمر بالتأمل (و).
وأنت خبير بأن احتماله الأول في غاية البعد عن مساق الرواية، خصوصا مع ذيلها مما هو