بإزاء معنى خاص، وله هيئة خاصة موضوعة بإزاء النسبة، ولم يوضع المفردات ولا الهيئة بإزاء مفهوم المخاطبة، (غاية الامر) انه لما كان الكلام من الأفعال الاختيارية للمتكلم فلا محالة يكون له (بما أنه فعل من أفعاله) غاية عقلائية، والغاية الطبيعية العقلائية للتكلم هو افهام الغير واعلامه بما في الضمير، فإذا صدر الكلام بهذا الداعي ينتزع عنه (بما أنه فعل صدر بهذا الداعي) عنوان المخاطبة وإن لم يكن صدوره عنه بهذا الداعي لم يصدق مفهوم المخاطبة (نعم) إذا لم يكن هناك مخاطب حقيقي يفهم الكلام ولكن المتكلم نزل شيئا مما لا يمكن خطابه منزلة من حضر وأريد افهامه فألقى إليه الكلام (نحو ما يلقى إلى من أريد افهامه) لاظهار التحسر أو الشوق أو نحو هما فيصدق حينئذ مفهوم الخطاب ويكون خطابا ادعائيا، فمفهوم الخطاب نظير مفهوم التكلم والاخبار ونحوهما مفهوم انتزاعي ينتزع عن الكلام (بما أنه فعل صدر بداعي الافهام) وليس مما يستعمل فيه اللفظ استعمالا انشائيا حتى يدل عليه اللفظ دلالة لفظية وضعية، وهذا من غير فرق بين قسميه من الحقيقي والادعائي (غاية الامر) ان الغاية الطبيعية للتكلم لما كان هو الافهام يحمل الخطاب على الحقيقي منه ما لم يثبت كونه ادعائيا نظير سائر الأفعال الصادرة عن العقلاء حيث تحمل على كونها صادرة لاجل غاياتها الطبيعية ما لم يثبت خلافه (ومما ذكرنا ظهر) فساد ما في الكفاية من كون الخطاب من الأمور الايقاعية التي يستعمل فيها الألفاظ بداعي الانشاء.
(إذا عرفت ما ذكرنا فنقول): لا ريب ان الخطابات القرآنية ليست من قبيل الخطابات الادعائية الصادرة بداعي إظهار التحسر ونحوه مثل قوله: أيا كوكبا ما كان اقصر عمره، بل هي خطابات حقيقية صدرت عن الله تعالى بداعي الافهام والاعلام، وحينئذ فيقع الكلام في أنها تشمل المعدومين حال الخطاب أم لا، وملخص الكلام في المقام انه ان أريد بشمولها للمعدوم شمولها له حال كونه معدوما فهذا أمر مستحيل، لما عرفت من كونها صادرة بقصد الافهام، ولا يعقل افهام المعدوم في ظرف عدمه، وان أريد بشمولها له شموله لكل من صدق عليه عنوان الموضوع بعد ما وجد وصار من مصاديقه وإن لم يكن موجودا حال التكلم و المخاطبة فنقول: ان كان وسيلة الخطاب امرا غير قار لا يبقى إلى زمان وجود المخاطب كما إذا خوطب بوسيلة الألفاظ ولم يكن في البين وسائل لحفظها وحكايتها فهذا أيضا