حال كونه معدوما، وانبعاثه في ظرف وجوده وتحقق شرائط التكليف فيه ليس من فوائد انشاء الطلب منه في ظرف العدم، بل هو من الآثار المترتبة على انشاء الطلب من المكلف على فرض وجوده، فالذي يصح في المقام ويعقل تحققه من المولى الحكيم هو انشاء التكليف بالنسبة إلى المكلف بنحو القضية الحقيقية بحيث يشمل الموجود و المعدوم، ولكن لا بلحاظ ظرف عدمه بل في ظرف وجوده وفرض تحققه، ففي قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ليس وجوب الحج مقصورا على من وجد واستطاع حال نزول الآية، بل الحكم فيها يعم الموجود والمعدوم حاله، ولكن المعدوم في ظرف عدمه لا يكون مشمولا للحكم الفعلي ولا الانشائي، وانما يصير مشمولا له على فرض تحققه ووجوده، بداهة ان الموضوع للحكم الانشائي والفعلي في الآية هو من كان من الناس وصدق عليه عنوان المستطيع، والمعدوم في رتبة عدمه ليس من افراد الناس ولا يصدق عليه انه مستطيع، فلا يعقل سراية الانشاء إليه فان الحكم المنشأ لا يسرى من موضوعه إلى شئ آخر (نعم) انما يصير المعدوم (حال الخطاب) في ظرف وجوده و تحقق الاستطاعة له مصداقا لما هو الموضوع في الآية فيتحقق (ح) بالنسبة إليه التكليف الانشائي، وبتحقق سائر الشرايط العامة يصير فعليا.
(والحاصل) ان المعدوم في ظرف عدمه ليس موردا للتكليف بكلا قسميه، وبعد وجوده وصيرورته مصداقا لما هو الموضوع يصير موردا له، والظاهر أن ما ذكرناه امر لا ينكره أحد من الباحثين في مسألة الخطابات الشفاهية سواء قيل بعمومها للمعدومين أم لا (نعم) على الأول يكون ثبوت التكليف لهم في ظرف الوجود من جهة شمول الخطاب لهم (وعلى الثاني) من جهة الاجماع وغيره من أدلة الاشتراك بعد اتفاق الفريقين في عدم ثبوته لهم في ظرف العدم.
(وقد ظهر لك مما ذكرنا) كيفية جعل الأحكام الشرعية وانها من قبيل القضايا الحقيقية بمعنى ان الحكم الشرعي جعل كاللازم للطبيعة المأخوذة موضوعة، لا بما هي هي بل بما انها مرآة وحاك لوجوداتها الخارجية فيسرى الحكم بسريانها ذاتا، فما لم يصر شئ مصداقا لعنوان الموضوع لم يكن موردا للحكم، وبعد صيرورته من مصاديقه