الامر كالطهارات الثلث فإنه لا خلاف بين علماء الاسلام غير أبي حنيفة في اشتراطها بقصد الامر.
(الاشكال الثاني) هو الاشكال الوارد في جميع التعبديات (ومحصله) عدم امكان اخذ قصد الامر في المأمور به، وقد قرر الاشكال بوجوه ذكرناها في مبحث التعبدي والتوصلي وكان أهمها الدور الوارد في مقام الامتثال (وحاصله) ان المأمور به لو كان عبارة عن الطهارة مثلا مقيدة بداعوية امرها إليها لم يمكن امتثال هذا الامر، فان داعوية الامر في مقام الامتثال متوقفة على كون المدعو إليه فردا من افراد المأمور به ومنطبقا للعنوان الواقع تحت الامر، وكونه كذلك موقوف على داعوية الامر إذ الفرض ان المأمور به هو العمل الواقع بداعي الامر لا مطلق العمل. ولو قررنا من الاشكال في الواجبات النفسية (بما محصله) ان قصد الامر لم يؤخذ في المأمور به بل العقل يحكم بوجوبه من باب تحصيل الغرض فالامر يتعلق بالأعم مما يحصل الغرض أعني ذات العمل، والعقل يحكم بوجوب اتيانه بداعي الامر حتى يصير محصلا لغرض المولى، ففيما نحن فيه أعني الواجبات الغيرية التعبدية لا مفر منه بهذا الوجه، فان الوجوب الغيرى لا يعقل تعلقه الا بما فيه ملاك المقدمية وما هو بالحمل الشايع مقدمة، ولا يمكن تعلقه بالأعم من ذلك، والمفروض ان المقدمة في باب الطهارات الثلث هو العمل مقيدا بقصد الامر لا ذات العمل، فيجب تعلق الامر بالمقيد الذي فيه ملاك المقدمية لا بالمطلق الذي هو أعم من ذلك. هذا ما ذكر في المقام من الاشكال، وقد أشار في الكفاية إلى الاشكال الثاني بقوله: " هذا مضافا إلى أن الامر الغيرى لا شبهة في كونه توصليا ".
(ونحن نقول): مجمل القول في الطهارات الثلث هو ان التيمم لم يتعلق به امر نفسي، ولكن الطهارة المائية من الوضوء أو الغسل فمع كونها مقدمة لبعض الغايات قد جعلت بنفسها أيضا من المستحبات الشرعية التي تعلق بها امر نفسي عبادي، وحينئذ فاتيان المكلف إياها انما هو بأحد نحوين (الأول) ان يأتي بها بقصد امرها النفسي الاستحبابي كما إذا لم يكن المكلف مريدا للأمور المشروطة بها وكلنه كان قاصدا للتطهر فيدعوه إلى ايجاده الامر النفسي المتعلق به.
(الثاني) ان يأتي بها بقصد التوصل بها إلى احدى غاياتها، وحينئذ يكون داعيه إلى ايجادها الامر النفسي المتعلق بالغاية المطلوبة من الصلاة والقراءة ونحوهما؟