العقل والعقلاء بان المولى بمولويته مالك للعبد بجميع شؤونه وأفعاله فله امر العبد بفعل من غير أن يعطيه اجرا، وهذا من لوازم المولوية والعبودية الملازمتين للمالكية والمملوكية بجميع الشئون، وكلما كانت العبودية أشد كان عدم الاستحقاق أظهر، ففي الموالى و والعبيد العرفية التي لا ملاك فيها للمولوية الا اعتبار العقلاء لا نحكم بثبوت استحقاق الاجر فكيف نحكم بثبوته للعبد من مولى الموالى الذي هو معط لوجوده وحياته وقدرته و مالك له بالملكية الحقة الحقيقية لا الاعتبارية العرفية (هذا)، مضافا إلى أنه كلما امر به وبعث نحوه فهو مما لا يعود نفعه إليه بل لوحظ فيه مصلحة العبد وانجائه من المهالك الروحية وسوقه إلى المراتب الكمالية، فمثله كمثل طبيب أمر المريض بشرب دواء ينفعه فهل للمريض بعد امتثاله أوامر الطبيب ونجاته من المرض ان يطلب من الطبيب المشفق اجر الامتثال؟ لا والله بل لو طالبه ذلك لعده العقلاء من السفهاء: (وبالجملة) العقل السليم لا يحكم باستحقاق العبد للمثوبة حتى في الأوامر النفسية (نعم) يحكم بلياقته واستعداده للتفضل، وهذا غير الاستحقاق.
(ومما ذكرنا ظهر لك) ضعف ما ذكره المتكلمون: من كون ثواب الله لعبيده بالاستحقاق مستدلين على ذلك بان تحميل الغير المشقة بلا اجر قبيح، ضرورة ان تحميل الموالى بالنسبة إلى عبيدهم لا يستلزم اجرا بالوجدان (فان قلت): إذا لم يكن ثواب الله (تعالى) لعبيده بالاستحقاق فلم عبر عنه في الآيات والروايات بالأجر؟
(قلت): هذا التعبير أيضا من كمال تفضل الله على عبيده حيث سمى الثواب التفضلي اجرا، اعلاء لدرجة الممتثل، الا ترى أنه تعالى استقرض من عبيده مع أن له ملك السماوات والأرض وما بينهما، تفضلا عليهم واشعارا بأنه يعاملهم معاملة مالك مع مثله. ثم لو فرضنا حكم العقل بان تحميل الغير المشقة ولو كان عبدا يوجب استحقاق الاجر، فلا فرق بين الواجب النفسي والغيري المأتي بداعي الامتثال لاشتراكهما في كون كل منهما مشقة تحملها العبد لتحصيل رضاية المولى، وهل يرى العقلاء في أصل تحمل المشقة فرقا بين من توضأ وصلى لامتثال امر المولى، وبين من توضأ بقصد التوصل به إلى ما وجب من قبل المولى ثم مات قبل اتيان الصلاة؟ وكيف يحكم العقل باستحقاق الأول للثواب وعدم استحقاق الثاني