(واما القسم الثاني) فالتعريف لا ينطبق عليه بل ينطبق عليه تعريف الغيرى، فإنه إن لم تكن غاياتها لازمة الحصول لم تجب، إذ ما هو المحبوب والمقصود ذاتا من البعث نحو المحصلات وان كان يتأخر في الوجود عن جميعها، ولكنه لا بد من أن يتقدم في سلسلة الإرادة على جميع الإرادات المتعلقة بمحصلاته، فالحب والإرادة يتعلقان أولا بمحبوب ذاتي فيتولد منهما إرادة البعث نحوه، ثم يتولد من الإرادة المتعلقة بهذا المحبوب الذاتي إرادة متعلقة بمحصله فيتولد منها إرادة البعث نحوه، وهكذا إلى آخر سلسلة المحصلات، فايجابها والبعث نحوها انما يكون للتوصل بها إلى فوائدها اللازمة فانطبق عليها تعريف الغيرى.
(وقال شيخنا الاستاد) (قدس سره) في الكفاية بعد الإشارة إلى هذا الاشكال ما حاصله: (فان قلت): محبوبية هذه الفوائد لزوما مما لا ريب فيها ولكنها لما كانت من الخواص المترتبة على الأفعال قهرا، لم يمكن تعلق الوجوب بها لكونها غير مقدورة للمكلفين (قلت): المقدور بالواسطة مقدور أيضا، وهذه الخواص وإن لم تكن بنفسها مقدورة ولكنها مقدورة من جهة ان أسبابها أعني الأفعال الموصلة إليها داخلة تحت القدرة، الا ترى أنه يصح التكليف بالتطهير والتزويج والتمليك ونحوها من المسببات التي لا يقدر عليها أحد الا بايجاد أسبابها: من الغسل والعقد ونحوهما (انتهى).
(وأجاب في الكفاية) عن أصل الاشكال بما حاصله: ان هذا القسم من الواجبات وان كان يترتب عليه آثار لازمة، ولكن وجوبه و البعث نحوه ليس باعتبار ترتب هذه الآثار عليه بل باعتبار ان كل واحد منها بنفسه معنون بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله و ذم تاركه ففي كل واحد من هذه الواجبات اجتمع ملاك النفسية والغيرية، ولكن البعث نحوه انما يكون بملاكه النفسي أعني كونه معنونا بعنوان حسن فلذا سمى واجبا نفسيا، كما أن الواجب الغيرى هو ما كان الداعي إلى البعث نحوه ملاك المقدمية، وهذا لا ينافي وجود الملاك النفسي فيه أيضا إذا لم يكن له دخل في وجوبه (هذه خلاصة ما ذكره في الكفاية).
(وفيه اما أولا) فلان ما ذكره في جواب ان قلت (من أن الفوائد والخواص وإن لم تكن بأنفسها مقدورة ولكنها مقدورة من جهة القدرة على أسبابها) لا يفي بالجواب فيما نحن فيه،