وبعد التنزل عن المقام السابق نقول على سبيل الاستظهار: نحن قطعنا قطعا عاديا بأن تلك المسائل المذكورة في كتب حديثنا عرضت على الأئمة (عليهم السلام) وسئلوا عنها وبأنهم (عليهم السلام) أجابوا عنها وبأن أجوبتهم (عليهم السلام) موجودة في تلك الأحاديث المتداولة بين أصحابنا، واللازم من ذلك أن يكون كل تلك الأحاديث جوابهم أو بعضها. فإن لم ينقل في مسألة إلا حديث واحد أو نقلت فيها أحاديث متوافقة لم يبق إشكال، وإن نقلت فيها أحاديث متخالفة فللتميز علامات يعرفها الماهر في أحاديثهم (عليهم السلام) وسندلك على باب واسع فيه إن شاء الله تعالى بتوفيق الملك العلام ودلالة أهل الذكر (عليهم السلام).
وأما كون الكتب الأربعة [ونظائرها] (1) متواترة النسبة إلى مؤلفيها (2) - قدس الله أرواحهم - وأن هذا التواتر يفيد القطع الإجمالي وأن القطع التفصيلي بخصوصيات الأحاديث يحصل بالقرائن المقامية كاتفاق النسخ كما في كتاب الله تعالى، فهو أظهر من أن يظهر من أن يرتاب فيه لبيب منصف.
ومما يوضح ذلك ما ذكره صاحب المعالم حيث قال (قدس سره) في كتاب المعالم الإجازة في العرف إخبار إجمالي بأمور مضبوطة معلومة مأمون عليها من الغلط والتصحيف ونحوهما، وما هذا شأنه لا وجه للتوقف في قبوله، والتعبير عنه بلفظ " أخبرني " وما في معناه مقيدا بقوله: " إجازة " تجوز مع القرينة فلا مانع منه. ومثله آت في القراءة على الراوي، لأن الاعتراف إخبار إجمالي، ولم يلتفتوا إلى الخلاف في قبوله وإنما ذكر بعضهم أن قبوله موضع وفاق.
إذا عرفت هذا، فاعلم أن أثر الإجازة بالنسبة إلى العمل إنما يظهر حيث لا يكون متعلقها معلوما بالتواتر ونحوه ككتب أخبارنا الأربعة، فإنها متواترة إجمالا، والعلم بصحة مضامينها تفصيلا يستفاد من قرائن الأحوال، ولا مدخل للإجازة فيه غالبا، وإنما فائدتها حينئذ بقاء اتصال سلسلة الإسناد بالنبي والأئمة (عليهم السلام) وذلك أمر مطلوب مرغوب إليه للتيمن كما لا يخفى (3) انتهى كلامه أعلى الله مقامه.