الثاني فهو المشهور، غير أن الشيخ ألحق به الإجارة، محتجا بأنه ضرب من البيوع، وهو ممنوع، وكذلك منع من الكتابة، بناء على أنها بيع العبد من نفسه، وهو مع تسليمه لا يستلزم المنع، لأن العبد ليس مما يكال أو يوزن، وغاية المنع عندنا أن يكون المبيع مقدرا بهما. انتهى.
ثم إنه على تقدير الجواز في الميراث ونحوه مما تقدم، قد استثنى بعضهم من ذلك صورا منها ما إذا اشترى الميت قبل الموت مكيلا أو موزونا ولم يقبضه، فإنه لا يجوز للوارث بيعه قبل قبضه، ورد بأن انتقاله إلى الوارث بالإرث واسطة بين البيعين.
ومنها في الصداق إذا اشترى المصدق الصداق مثلا ولم يقبضه، وأصدقه المرأة قبل القبض، وأرادت المرأة بيعه والحال كذلك، وأجيب عنه بما أجيب عن سابقه، فإن اصداقه للمرأة واسطة بين البيعين، وهكذا القول في عوض الخلع إذا اشترته المرأة ولم تقبضه، ثم جعلته عوضا للخلع، وأراد الزوج بيعه والحال كذلك، فإن جعله عوضا للخلع واسطة بين البيعين أيضا، فالاستثناء غير واضح لثبوت الواسطة في الجميع.
الحادي عشر المشهور أنه لو كان له على غيره طعام من سلم، وعليه مثل ذلك، فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من الآخر، فإن قلنا بتحريم بيع ما لم يقبض حرم هنا أيضا، وإن قلنا: بالكراهة أكره هنا أيضا، ذكر ذلك الشيخ في الخلاف والمبسوط، وتبعه الجماعة لأن المحتال قبض المحال عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه، فيكون من قبيل بيع ما لم يقبض، وقيل: بأن هذا ليس من تلك المسألة في شئ، لما عرفت من أن المنع من بيع ما لم يقبض تحريما أو كراهة مشروط بشرطين، انتقاله بالبيع، ونقله به، وما ذكر في هذا الفرض وإن كان تبعا من حيث أن السلم فرد من أفراده، إلا أن الواقع من السلم إما حوالة لغريمه من القبض، أو وكالة له فيه، وكل منهما ليس ببيع، ودعوى أن الحوالة ملحقة بالبيع في حيز المنع.