مالكية غيره وقاهرية سواه، فبعد الإقرار والاعتراف بتلك الحقائق والرقائق، وبعد الإذعان بأن رب السماوات العلى والأرضين السفلى، هو الحميد الغني، وهو المالك وهو الرحمن الرحيم، فلا يجوز في شرع الحقيقة والعرفان اشتراك الغير في عبادته بأي وجه كانت الشركة، وهكذا الاستعانة بالغير، بل يرى في هذا الموقف أنه لا يتمكن الفقير من إعانة الفقير، والممكن من إعانة الممكن.
فإذا وصل القارئ السالك إلى هذا المقام، وهو مقام الجمع بين الغيب والشهود، ومقام الانس مع الرب الودود، فيترنم بقوله: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * حاصرا ذلك فيه، وإن لم يكن التقديم للحصر، ولكنه يجب عليه إرادة الحصر وقصد الانحصار، بل العبد السالك الفاني عن تعينات المادة وحدود الشهوات والمدة، لابد وأن يسعى في المقامات الاخر الخاصة بالعارفين بالله، والكاملين في ذات الله، والمخلصين في توحيد الله، وكل ذلك رشح من رشحات معرفته بالله في التوحيدات الثلاثة، التوحيد الذاتي والصفاتي والأفعالي، فإن التوحيد في العبادة ظل هذه التوحيدات وصورة تلك الوحدات، وعليك بالتجريد والتفريد أولا وبالشهود والعرفان ثانيا، حتى يتمكن العبد من توحيده في العبادة على الوجه اللائق به، وإن حكي عن سيد البشر (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنت كما أثنيت على نفسك، ما عبدناك حق عبوديتك، وما عرفناك حق معرفتك " (1).