فمن الممكن دعوى ممنوعية الاستعانة بالغير للحصر المستفاد من الآية الكريمة أولا، ولما روي عن ابن عباس " إذا استعنت فاستعن بالله " ثانيا، ولأن من استعان بغيره في المهمات بل وفي غيرها، فقد استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم، أفلا يستعان به وهو الغني الكبير! أم كيف يطلب من غيره والكل إليه فقير؟! وإني لأرى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه من رأيه وضلة من عقله، فكم قد رأينا من أناس طلبوا العزة من غيره فذلوا، وراموا الثروة من سواه فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتضعوا، فلا يستعان إلا به تعالى وتقدس، ولا عون إلا منه تبارك وتعالى (1).
وأما ما ورد من الأمر بالاستعانة بالصبر والصلاة في سورة البقرة - آية 45، فهو ليس من الاستعانة بغير الله بعد ما كان هو بأمر الله تعالى أولا.
وإن الاستعانة بالله ليس لها مصداق إلا الصبر والاشتغال بمناجاة الله وعبادته ثانيا.
وأما ما ورد من الأمر بالتعاون في (السورة الخامسة آية 2) فهو لا يستلزم جواز الاستعانة بالغير، فإن المنحصر فيه تعالى هو الاستعانة، دون الإعانة والتعاون، فله أن يستعين به تعالى واستجابة دعائه بإعانة الغير إياه في أمره وحاجته، فلا تنافي بين الآيتين حتى نحتاج إلى الجمع.
وأما ما ورد في السورة الثامنة عشر - آية 95: * (قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة) * فهو لا يدل على جواز الاستعانة بغيره، لما أنه حكاية عن قول ذي القرنين، ولا برهان على أن جميع أقوالها وأفعاله كانت