الواجب الدعاء بالنسبة إلى ما يمكن تحققه ويصح ترقبه، ومن البديهي أن الضلالة التكوينية، وعدم الوصول إلى الغايات الطبيعية في هذه النشأة الملكية الناسوتية، من الأمر الواضح اللازم لتلك الطبيعة، ولا يعقل التفكيك، لأن دار الطبيعة ومنزل المادة، دار الاصطدام والمزاحمة، ولو كان يمكن عقلا هذا التفكيك لكانت هذه النشأة من النشآت الإلهية المجردة، فأخيرة التجليات - وهي التجلي الفعلي في المواد والماديات - تستتبع هذه التبعات طبعا وقهرا، فكيف يعقل طلب الهداية بمعناها الواقعي والحقيقي؟ فلابد وأن ينحصر الطلب بالهداية التشريعية.
أقول: الهداية التشريعية في نظر تشريعي، ولكن الاهتداء بتلك الهداية تكويني، لأنه ليس مجرد الاعتبار والتخيل كالأمور الاعتبارية، فعلى هذا يلزم سقوط الدعاء بالنسبة إليها. وغير خفي أن هذا الدعاء غير الدعاء بالنسبة إلى حاجة من الحوائج الاخر، كإعطاء درهم لسد الجوع، ضرورة أن النظر من الهداية هو استطراق طريق الوصول إلى غاية الطبيعة ومقتضياتها، أي استدعاء الشجرة هو البلوغ إلى أن تثمر ثمراتها الممكنة لها طبعا، واستدعاء الحيوان هو الوصول إلى الكمال المترقب الحيواني، وهكذا الإنسان، وحيث إن فطرة الإنسان فطرة التوحيد وفطرة العشق للكمال المطلق، فهدايته هو إبلاغه إلى ذلك العشق، وهذا غير ممكن بالإمكان الاستعدادي لا الذاتي والوقوعي، بل وغير ممكن بالإمكان الوقوعي، للزوم الخلف، وهو كون هذه النشأة مادية غير مزاحمة، فتدبر.
فعلى ما تقرر وتحرر: يشكل طلب الهداية بمعناها الواسع التكويني