والارتباط بينها.
وربما يقال: إن القارئ الطالب - بعد المدح البليغ والثناء الجميل - توجه إلى توجيه عبادته إليه بقوله: * (إياك نعبد) *، وحصر استعانته فيه بقوله: * (إياك نستعين) *، ثم تنبه إلى أن هذه هي الهداية، فلابد من المحافظة عليها، فقال: * (إهدنا الصراط المستقيم) * بداعي أن يحافظ عليها، لا أن يهديه من الضلالة - مثلا - أو أن حصر الاستعانة فيه - جل وعلا - قولا وادعاء غير حسن، فلابد من إشفاع العمل بذلك القول والادعاء، فاستعان به استعانة بالحمل الشائع بقوله: " اهدنا "، ولذلك يحصل بين الجملتين كمال الارتباط، فإن إحداهما حصر الاستعانة بمفهومها الأولي فيه تعالى، والثانية ذكر مصداقها بالحمل الشائع الصناعي، وحيث إن حرف العطف يورث نوعا من المغايرة حذف إيماء إلى نهاية الملاءمة بينهما.
وغير خفي: أن النظر ليس إلى حصر طلب الهداية في البقاء على الهداية الموجودة، وهي العبادة وغيرها، بل هذا الطلب - أيضا - كلي، يستدعي الهداية الكلية بالنسبة إلى جميع أنحاء الضلالات - التكوينية والتشريعية - بالدواعي المختلفة الكثيرة، المنتهية إلى بقاء الموجود وإحداث المعدوم، وحيث ذلك كله استعانة بالحق الجليل، جئ محذوفا حرف الربط، ومشفوعا بتلك الجملة، وكأنه يريد أن يترنم لصدق مقالته التي ادعاها بقوله: * (إياك نستعين) *، بقوله: * (إهدنا الصراط المستقيم) *.