لا أبرئ نفسي مما لا تعرى منه طباع البشر، وإنما امتنعت عن الفاحشة بحول الله ولطفه وهدايته، لا بنفسي. قال الحسن: إنما قال: (وما أبرئ نفسي) لأنه كره أن يكون قد زكى نفسه (إن ربى غفور) بعباده (رحيم) بهم.
(وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين (54) قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم (55) وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين (56) ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون (57).
القراءة: قرأ ابن كثير: (حيث نشاء) بالنون. والباقون: بالياء.
الحجة: قال أبو علي: من قرأ بالياء فيشاء مسند إلى الغائب، كما أن يتبوأ كذلك، ويقوي ذلك قوله: (وأورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء). فكما أن قوله (نشاء) وفق لفعل المتبوئين، كذلك قوله (حيث يشاء) وفق لقوله (يتبوأ). ومن قرأ بالنون فإنه على أحد وجهين: إما أن يكون. أسند المشيئة إليه، وهو ليوسف في المعنى، لأن مشيئته لما كانت بقوته وإقداره عليه، جاز أن ينسب إلى الله. وإن كانت ليوسف في المعنى، كما قال سبحانه: (وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى) فأضيف الرمي إلى الله لما كان بقوته، وإن كان الرمي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. والآخر أن يكون الموضع المتبوأ موضع نسك وقرب. فالمكث فيه قربة إلى الله تعالى، فهو يشاؤه ويريده. فأما اللام في قوله: (مكنا ليوسف) وقوله: (إنا مكنا له في الأرض) فيجوز أن يكون على حد التي في قوله (ردف لكم وللرؤيا تعبرون) يدل على ذلك قوله (ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه). وقوله: (يتبوأ) في موضع نصب على الحال، تقديره: مكناه متبوءا حيث يشاء. وأما قوله (حيث يشاء) فيحتمل موضعه أمرين: أحدهما: أن يكون في موضع نصب بأنه ظرف. والآخر: أن يكون في موضع نصب بأنه مفعول به. ويدل على جواز هذا الوجه قول الشماخ:
وحلاءها عن ذي الأراكة عامر أخو الحضر يرضى، حيث تكبو النواحز (1)