وفي قوله (يتبوأ منها حيث يشاء) دلالة على أن تصرفه كان باختياره من غير رجوع إلى الملك. وأنه صار بحيث لا أمر عليه. وفي كتاب النبوة بالإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي ابن بنت الياس، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: وأقبل يوسف على جمع الطعام، فجمع في السبع السنين المخصبة، فكبسه في الخزائن. فلما مضت تلك السنون، وأقبلت المجدبة، أقبل يوسف على بيع الطعام، فباعهم في السنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم، إلا صار في مملكة يوسف. وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر، حتى لم يبق بمصر وما حولها حلي ولا جوهر، إلا صار في مملكته. وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي، حتى لم يبق بمصر وما حولها، دابة، ولا ماشية، إلا صارت في مملكته. وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء، حتى لم يبق بمصر عبد ولا أمة إلا صار في مملكته. وباعهم في السنة الخامسة بالدور والعقار، حتى لم يبق بمصر وما حولها دار ولا عقار، إلا صار في مملكته. وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والأنهار، حتى لم يبق بمصر وما حولها، نهر ولا مزرعة، إلا صار في مملكته. وباعهم في السنة السابعة برقابهم، حتى لم يبق بمصر وما حولها، عبد ولا حر، إلا صار عبد يوسف. فملك أحرارهم، وعبيدهم، وأموالهم.
وقال الناس: ما رأينا، ولا سمعنا بملك، أعطاه الله من الملك، ما أعطى هذا الملك، حكما وعلما وتدبيرا. ثم قال يوسف للملك: أيها الملك! ما ترى فيما خولني ربي من ملك مصر وأهلها، أشر علينا برأيك، فإني لم أصلحهم لأفسدهم، ولم أنجهم من البلاء لأكون بلاء عليهم، ولكن الله تعالى أنجاهم على يدي. قال له الملك: الرأي رأيك. قال يوسف: إني أشهد الله وأشهدك أيها الملك أني قد أعتقت أهل مصر كلهم، ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم، ورددت عليك أيها الملك خاتمك وسريرك وتاجك، على أن لا تسير إلا بسيرتي، ولا تحكم إلا بحكمي. قال له الملك: إن ذلك لزيني وفخري أن لا أسير إلا بسيرتك، ولا أحكم إلا بحكمك، ولولاك ما قويت عليه، ولا اهتديت له، ولقد جعلت سلطانا عزيزا لا يرام، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسوله، فأقم على ما وليتك، فإنك لدينا مكين أمين. وقيل: إن يوسف عليه السلام كان لا يمتلي شبعا من الطعام في تلك الأيام