ابن عباس في رواية أخرى. وقال مجاهد: أراد بهم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من بني إسرائيل، لطول الزمان هلك الآباء، وبقي الأبناء.
(على خوف من فرعون) يعني آمنوا وهم خائفون من معرة فرعون (وملإيهم) ومن أشرافهم ورؤسائهم. قال الزجاج: وإنما جاز أن يقال (وملإيهم) لأن فرعون ذو أصحاب يأتمرون له. وقيل: إن الضمير في (ملأهم) راجع إلى الذرية، لأن آباءهم كانوا من القبط، وكانوا يخافون قومهم من القبط أن يصرفوهم عن دينهم، ويعذبوهم. (أن يفتنهم) أي: يصرفهم عن الدين، يعني أن يمتحنهم لمحنة لا يمكنهم الصبر عليها، فينصرفون عن الدين. وكان جنود فرعون يعذبون بني إسرائيل، فكان خوفهم منه ومنهم.
(وإن فرعون لعال في الأرض) أي: مستكبر باغ طاغ في أرض مصر ونواحيها (وإنه لمن المسرفين) أي: من المجاوزين الحد في العصيان، لأنه ادعى الربوبية، وأسرف في القتل، والظلم. والإسراف: التجاوز عن الحد في كل شئ (وقال موسى) لقومه الذين آمنوا به: (يا قوم إن كنتم آمنتم بالله) كما تظهرون (فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) أي: فاسندوا أموركم إليه إن كنتم مسلمين على الحقيقة، وإنما أعاد قوله (إن كنتم مسلمين) بعد قوله (إن كنتم آمنتم بالله) ليتبين المعنى باجتماع الصفتين التصديق والانقياد أي: إن كنتم آمنتم بالله فاستسلموا لأمره، وفائدة الآية بيان وجوب التوكل على الله عند نزول الشدة، والتسليم لأمره ثقة بحسن تدبيره، وانقطاعا إليه (فقالوا على الله توكلنا) أخبر سبحانه عن حسن طاعتهم له، وأنهم قالوا: أسندنا أمورنا إلى الله واثقين (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) أي: لا تمكن الظالمين من ظلمنا بما يحملنا على إظهار الانصراف عن ديننا، عن مجاهد. وقيل: معناه ربنا لا تظهر علينا فرعون وقومه فيفتتن بنا الكفار، ويقولوا: لو كانوا على الحق لما ظفرنا عليهم، عن الحسن، وأبي مجاز. وروى زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام أن معناه لا تسلطهم علينا فتفتنهم بنا. (ونجنا) وخلصنا (برحمتك من القوم الكافرين) أي: من قوم فرعون، واستعبادهم إيانا، وأخذهم جماعتنا بالأعمال الشاقة، والمهن الخسيسة.
(وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوء لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم