سبيل التخشع والاستكانة لله تعالى، وإن لم يسبق منه ذنب. ثم حكى الله سبحانه ما أمر به نوحا حين استقرت السفينة على الجبل، بعد خراب الدنيا بالطوفان، فقال:
(قيل يا نوح اهبط) أي: انزل من الجبل، أو من السفينة بسلام منا) أي:
بسلامة منا ونجاة. وقيل: بتحية وتسليم منا عليك (وبركات عليك) أي: ونعم دائمة، وخيرات نامية ثابتة، حالا بعد حال، عليك (وعلى أمم ممن معك) يعني الأمم الذين كانوا معه في السفينة من المؤمنين. والأمة: الجماعة الكثيرة المتفقة على ملة واحدة. وقيل: معناه وعلى أمم من ذرية من معك. وقيل: يعني بالأمم سائر الحيوان الذين كانوا معه، لأن الله تعالى جعل فيها البركة.
(وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) معناه: أنه يكون من نسلهم أمم سنمتعهم في الدنيا بضروب من النعم، فيكفرون ونهلكهم، ثم يمسهم بعد الهلاك عذاب مؤلم. وإنما ارتفع (أمم) لأنه استأنف الإخبار عنهم. وروي عن الحسن أنه قال: هلك المتمتعون في الدنيا، لأن الجهل يغلب عليهم والغفلة، فلا يتفكرون إلا في الدنيا وعمارتها وملاذها. ثم أشار سبحانه إلى ما تقدم ذكره من اخبار قوم نوح فقال (تلك) أي: تلك الأنباء (من أنباء الغيب) أي: من أخبار ما غاب عنك معرفته. ولو قال (ذلك) كان جائزا، لأن المصادر قد يكنى عنها بالتذكير، كما يكنى بالتأنيث. يقولون: قدم فلان ففرحت بها أي: بقدمته، وفرحت به أي: بقدومه.
(نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا) أي: إن هذه الأخبار التي أعلمناكها، لم تكن تعلمها أنت، ولا قومك من العرب يعرفونها من قبل ايحائنا إليك، لأنهم لم يكونوا أهل كتاب وسير. وقيل: من قبل هذا القرآن، وبيان القصص فيه (فاصبر) أي: فاصبر على القيام بأمر الله، وعلى أذى قومك يا محمد، كما صبر نوح على أذى قومه. وهذا أحد الوجوه التي لأجلها كرر الله قصص الأنبياء عليهم السلام، ليصبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما كان يقاسيه من أمور الكفار الجهال، حالا بعد حال (إن العاقبة للمتقين) أي: إن العاقبة المحمودة، وخاتمة الخير والنصرة، للمتقين، كما كانت لنوح عليه السلام.
(وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون (50) يا قوم لا أسئلكم عليه أجرا إن أجرى إلا على