(فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) هذا تهديد لهم في صورة الأمر أي: فليضحك هؤلاء المنافقون في الدنيا قليلا، لأن ذلك يفنى، وإن دام إلى الموت، ولأن الضحك في الدنيا قليل لكثرة أحزانها وهمومها، وليبكوا كثيرا في الآخرة، لأن ذلك يوم مقداره خمسون ألف سنة، وهم فيه يبكون، فصار بكاؤهم كثيرا.
(جزاء بما كانوا يكسبون) من الكفر، والنفاق، والتخلف، بغير عذر عن الجهاد، قال ابن عباس: إن أهل النفاق ليبكون في النار عمر الدنيا، فلا يرقأ لهم دمع، ولا يكتحلون بنوم. وروى انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا (فإن رجعك الله) يا محمد أي فإن ردك الله من غزوتك هذه، وسفرك هذا، (إلى طائفة منهم) أي من المنافقين الذين تخلفوا عنك، وعن الخروج معك (فاستأذنوك للخروج) معك إلى غزوة أخرى (فقل لن تخرجوا معي أبدا) إلى غزوة (ولن تقاتلوا معي عدوا) ثم بين سبحانه سبب ذلك فقال (إنكم رضيتم بالقعود أول مرة) أي عن غزوة تبوك.
(فاقعدوا مع الخالفين) في كل غزوة. واختلف في المراد بالخالفين، فقيل:
معناه مع النساء والصبيان، عن الحسن، والضحاك. وقيل: مع الرجال الذين تخلفوا من غير عذر، عن ابن عباس. وقيل: مع المخالفين. قال الفراء: يقال عبد خالف، وصاحب خالف، إذا كان مخالفا. وقيل: مع الخساس والأدنياء، يقال:
فلان خالفة أهله إذا كان أدونهم. وقيل: مع أهل الفساد من قولهم: خلف الرجل على أهله يخلف خلوفا: إذا فسد. ونبيذ خالف أي: فاسد. وخلف فم الصائم:
إذا تغيرت ريحه. وقيل: مع المرضى والزمني، وكل من تأخر لنقص، عن الجبائي.
(ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84) ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (85).
الاعراب: (مات): جملة في موضع جر صفة (لأحد)، وتقديره على أحد ميت منهم. و (ابدا): منصوب، لأنه ظرف لقوله (تصل) وإنما كسران من قوله