(واقعدوا لهم كل مرصد) أي: بكل طريق، وبكل مكان تظنون أنهم يمرون فيه، وضيقوا المسالك عليهم، لتمكنوا من أخذهم. وقوله: (لهم) معناه لقتلهم وأسرهم. (فإن تابوا) أي: رجعوا من الكفر، وانقادوا للشرع (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) أي: قبلوا إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، لأن عصمة الدم لا تقف على إقامة الصلاة وأداء الزكاة، فثبت أن المراد به القبول. (فخلوا سبيلهم) أي: دعوهم يتصرفون في بلاد الاسلام، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم. وقيل: معناه فخلوا سبيلهم إلى البيت أي: دعوهم يحجوا معكم. (إن الله غفور رحيم).
واستدلوا بهذه الآية على أن من ترك الصلاة متعمدا، يجب قتله، لأن الله تعالى أوجب الامتناع من قتل المشركين بشرط أن يتوبوا، ويقيموا الصلاة، فإذا لم يقيموها وجب قتلهم (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) معناه: وإن طلب أحد من المشركين، الذين أمرتك بقتالهم، منك الأمان من القتل، بعد الأشهر الأربعة، ليسمع دعوتك واحتجاجك عليه بالقرآن، فأمنه، وبين له ما يريد، وأمهله حتى يسمع كلام الله ويتدبره. وإنما خص كلام الله لأن معظم الأدلة فيه. (ثم أبلغه مأمنه) معناه: فإن دخل في الاسلام، نال خير الدارين، وإن لم يدخل في الاسلام، فلا تقتله، فتكون قد غدرت به، ولكن أوصله إلى ديار قومه التي يأمن فيها على نفسه وماله. (ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) أي ذلك الأمان لهم بأنهم قوم لا يعلمون الإيمان والدلائل، فآمنهم حتى يسمعوا، ويتدبروا، ويعلموا.
وفي هذا دلالة على بطلان قول من قال: المعارف ضرورية، وفي الآية دلالة على أن المتلو والمسموع كلام الله، لأن الشرع والعرب، جعلا الحكاية كعين المحكى، يقال هذا كلام سيبويه، وشعر امرئ القيس. ومن ظن أن الحكاية تفارق المحكي، لأجل هذا الظاهر، فقد غلط، لأن المراد ما ذكرناه.
(كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين (7) كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون (8)