عن تدبر الآيات، فكأنهم لم يبصروا. ومما يجري هذا المجرى قول الأعشى:
دوع هريرة إن الركب مرتحل، وهل تطيق وداعا أيها الرجل وقد علمنا أن الأعشى كان يقدر على الوداع، وإنما نفى الطاعة عن نفسه من حيث الكراهية والاستثقال وثالثها: إنه إنما عنى بذلك آلهتهم وأوثانهم، وتقدير الكلام أولئك الكفار وآلهتهم لم يكونوا معجزين في الأرض، يضاعف لهم العذاب.
وقال مخبرا عن الآلهة: (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) وروي ذلك عن ابن عباس، وفيه أدنى بعد. ورابعها: إن (ما) هنا ليست للنفي، بل تجري مجرى قولهم: لأواصلنك ما لاح نجم، والمعنى أنهم معذبون ما داموا أحياء (أولئك الذين خسروا أنفسهم) من حيث فعلوا ما استحقوا به العقاب، فهلكوا، فذلك خسران أنفسهم، وخسران النفس أعظم الخسران، لأنه ليس عنها عوض (وضل عنهم ما كانوا يفترون) مضى بيانه مرارا (لا جرم) قال الزجاج: لا نفي لما ظنوا أنه ينفعهم، كأن المعنى لا ينفعهم ذلك جرم (أنهم في الآخرة هم الأخسرون) أي:
كسب ذلك الفعل لهم الخسران، وقال غيرهم: معناه لا بد ولا محالة أنهم. وقيل:
معناه حقا، ويستعمل في أمر يقطع عليه، ولا يرتاب فيه أي: لا شك أن هؤلاء الكفار هم أخسر الناس في الآخرة.
النظم: اتصلت الآية الأولى بقوله (قل فأتوا بعشر سور مثله) والمراد أنهم إذا لم يأتوا بذلك، فقل لهم: أفمن كان على بينة، كمن لا يكون معه بينة. وقيل:
اتصلت بقوله (من كان يريد الحياة الدنيا) أي: من كان مجتهدا في الدين، كمن كان همه الحياة الدنيا وزينتها. ووجه اتصال الآية الثانية، وهي قوله: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) أنه سبحانه أراد أن يبين حال العاقل والغافل، فكأنهم قالوا: وما يضرنا أن لا نعرف ذلك، فأجيبوا بأن من لا يعرف الله، لا يأمن أن يكذب على الله، ومن أظلم ممن كذب على الله.
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (23) * مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون (24).