الملك: ما هذا اللسان؟ قال: لسان آبائي. قال وهب: وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا، فكلما كلم يوسف بلسان، أجابه بذلك اللسان. فأعجب الملك ما رأى منه، فقال له: إني أحب أن أسمع رؤياي منك شفاها.
فقال يوسف: نعم أيها الملك. رأيت سبع بقرات سمان شهب، غر حسان، كشف لك عنهن النيل، فطلعن عليك من شاطئه، تشخب أخلافهن لبنا، فبينا تنظر إليهن، ويعجبك حسنهن، إذ نضب النيل فغار ماؤه، وبدا يبسه، فخرج من حمئة ووحله سبع بقرات عجاف، شعث غبر مقلصات البطون، ليس لهن ضروع، ولا أخلاف. ولهن أنياب وأضراس، وأكف كأكف الكلاب، وخراطيم كخراطيم السباع.
فاختلطن بالسمان فافترستهن افتراس السبع، فأكلن لحومهن، ومزقن جلودهن، وحطمن عظامهن، وتمششن مخهن. فبينا أنت تنظر وتتعجب، إذا سبع سنابل خضر، وأخر سود في منبت واحد، عروقهن في الثرى والماء فبينا أنت تقول في نفسك: أنى هذا وهؤلاء خضر مثمرات، وهؤلاء سود يابسات، والمنبت واحد، وأصولهن في الماء؟ إذ هبت ريح فذرت الأرفات من اليابسات السود على الثمرات الخضر، فاشتعلت فيهن النار، وأحرقتهن، وصرن سودا متغيرات. فهذا آخر ما رأيت من الرؤيا، ثم انتبهت من نومك مذعورا.
فقال الملك: والله ما شأن هذه الرؤيا، وإن كانت عجبا بأعجب مما سمعته منك، فما ترى في رؤياي أيها الصديق؟ فقال يوسف: أرى أن تجمع الطعام، وتزرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة، وتبني الأهراء (1) والخزائن، فتجمع الطعام فيها بقصبه وسنبله، ليكون قصبه وسنبله علفا للدواب، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمس، فيكفيك من الطعام الذي جمعته لأهل مصر، ومن حولها، ويأتيك الخلق من النواحي، فيمتارون منك بحكمك، ويجتمع عندك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد ذلك. فقال الملك: ومن لي بهذا؟ ومن يجمعه ويبيعه ويكفي الشغل فيه؟ فعند ذلك (قال) يوسف (اجعلني على خزائن الأرض) الألف واللام فرب الأرض للعهد دون الجنس، يعني: إجعلني على خزائن أرضك، حافظا وواليا، واجعل تدبيرها إلي.