فقال لهم نوح، على وجه التعجب من قولهم، والإنكار لذلك: إن نصحي لا ينفعكم إن كان القول كما تقولون. وهذا هو المحكي عن جعفر بن حرب.
وإنما شرط النصح بالإرادة في قوله: (إن أردت أن أنصح لكم) مع وقوع هذا النصح استظهارا في الحجة عليهم، لأنهم ذهبوا إلى أنه ليس بنصح، فقال: لو كان نصحا ما نفع من لا يقبله، ولا يجوز أن يكون المراد بالإغواء في الآية فعل الكفر، أو الدعاء إلى الكفر، والحمل عليه، على ما يعتقده المجبرة، لقيام الأدلة على أن خلق الكفر وإرادته من أقبح القبائح، كالأمر به، وكما لم يجز أن يأمر به، فكذلك لا يجوز أن يفعله ويريده، ولأنه لو جاز منه الإضلال، لجاز منه أن يبعث من يدعو إلى الضلال، ويظهر المعجزات على يده، وفي هذا ما فيه.
(هو ربكم وإليه ترجعون) أي: هو خالقكم ورازقكم، والى حكمه وتدبيره تصيرون، فيجازيكم على أعمالكم (أم يقولون افتراه) قيل: إنه يعني بذلك محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد: أيؤمن كفار محمد صلى الله عليه وآله وسلم بما أخبرهم به محمد صلى الله عليه وآله وسلم من نبأ قوم نوح عليه السلام، أم يقولون افتراه محمد صلى الله عليه وآله وسلم من تلقاء نفسه ف (قل) لهم يا محمد (إن افتريته) واختلقته كما تزعمون (فعلي إجرامي) أي: عقوبة جرمي، لا تؤخذون به. (وأنا برئ مما تجرمون) أي: لا أؤخذ بجرمكم، عن مقاتل.
وقيل: يعني به نوحا عليه السلام، وأنه يقول على الله الكذب، عن ابن عباس.
النظم: ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها على القول الأول: أنها تتصل بقوله (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله).
(وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون (36) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون (37) ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون (38) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم (39).
اللغة: الابتئاس: حزن في استكانة، وأنشد أبو عبيدة: