ف (إني حفيظ) أي: حافظ لما استودعتني لحفظه، عن أن تجري فيه خيانة.
(عليم) بمن يستحق منها شيئا، ومن لا يستحق، فأضعها مواضعها، عن قتادة، وابن إسحاق، والجبائي. وقيل: حفيظ عليم أي: كاتب حاسب، عن وهب.
وقيل: حفيظ للتقدير في هذه السنين الجدبة، عليم بوقت الجوع، حين يقع، عن الكلبي. وقيل: حفيظ للحساب، عالم بالألسن، وذلك أن الناس يفدون من كل ناحية، ويتكلمون بلغات مختلفة، عن السدي. وفي هذا دلالة على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه، فإنه عرف الملك حاله، ليقيمه في الأمور التي في إيالتها صلاح العباد والبلاد، ولم يدخل بذلك تحت قوله سبحانه (فلا تزكوا أنفسكم).
قالوا: فقال الملك: ومن أحق به منك؟ فولاه ذلك. وقيل: إن الملك الأكبر فوض إليه أمر مصر، ودخل بيته، وعزل قطفير، وجعل يوسف مكانه. وقيل: إن قطفير هلك في تلك الليالي، فزوج الملك يوسف راعيل امرأة قطفير العزيز، فدخل بها يوسف، فوجدها عذراء. ولما دخل عليها قال: أليس هذا خيرا مما كنت تريدين؟ وولدت له أفرائيم وميشا. واستوثق ليوسف ملك مصر. وقيل: إنه لم يتزوجها يوسف، وإنها لما رأته في موكبه، بكت وقالت: الحمد لله الذي جعل الملوك بالمعصية عبيدا، والعبيد بالطاعة ملوكا. فضمها إليه، وكانت من عياله، حتى ماتت عنده، ولم يتزوجها.
وفي تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: لما مات العزيز، وذلك في السنين الجدبة، افتقرت امرأة العزيز، واحتاجت حتى سألت الناس، فقالوا لها: ما يضرك لو قعدت للعزيز، وكان يوسف يسمى العزيز، وكل ملك كان لهم سموه بهذا الاسم. فقالت: أستحي منه. فلم يزالوا بها حتى قعدت له. فأقبل يوسف في موكبه، فقامت إليه زليخا، وقالت: سبحان من جعل الملوك بالمعصية عبيدا، والعبيد بالطاعة ملوكا. فقال لها يوسف: أأنت تيك؟ قالت: نعم. وكان اسمها زليخا. فقال لها: هل لك في؟ قالت: دعني بعدما يئست. أتهزأ بي! قال: لا.
قالت: نعم. قال: فأمر بها فحولت إلى منزله، وكانت هرمة. فقال لها يوسف:
ألست فعلت بي كذا وكذا؟ قالت: يا نبي الله! لا تلمني فإني بليت في بلاء لم يبل به أحد! قال: وما هو؟ قالت: بليت بحبك، ولم يخلق الله لك نظيرا في الدنيا،