(ذلكما مما علمني ربي) كأنهما قالا له: كيف عرفت تأويل الرؤيا، ولست بكاهن، ولا عراف؟ فأخبرهما أنه رسول الله، وأنه تعالى علمه ذلك، وتعليمه تعالى قد يكون بأن يفعل العلم في قلبه، وقد يكون بالوحي، وقد يكون بنصب الأدلة التي يدرك بها . العلم (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون) معناه: إنه لا يستحق هذه الرتبة الخطيرة إلا المؤمنون المخلصون، واني تركت طريقة قوم لا يؤمنون، فلذلك خصني الله بهذه الكرامة (واتبعت ملة آبائي) أي: شريعة آبائي (إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ) أي: لا ينبغي لنا ونحن معدن النبوة، وأهل بيت الرسالة، أن ندين بغير التوحيد (ذلك) أي:
التمسك بالتوحيد، والبراءة من الشرك. وقيل: النبوة والعلم (من فضل الله علينا) بأن خصنا بها، وعلى الناس أيضا بإرسالنا إليهم، واتباعهم إيانا، واهتدائهم بنا.
(ولكن أكثر الناس لا يشكرون) نعم الله تعالى. وقد كان يوسف عليه السلام فيما بينهم زمانا، ولم يحك الله سبحانه أنه دعا إلى الدين، وكانوا يعبدون الأصنام لأنه لم يطمع منهم في الاستماع والقبول. فلما رآهم عارفين بإحسانه، مقبلين عليه، رجا منهم القبول منه، فدعاهم إلى التوحيد على ما أمر الله سبحانه له في قوله (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة). وقد روي أن صاحبي السجن قالا له: لقد أحببناك حين رأيناك. فقال: لا تحباني، فوالله ما أحبني أحد الا دخل علي من حبه بلاء: أحبتني عمتي فنسبت إلي السرقة، وأحبني أبي فألقيت في الجب. وأحبتني امرأة العزيز، فألقيت في السجن.
(يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار (39) ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (40) يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الأخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان (41) وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك