ينفق في الجهاد، وفي سبيل الخير، مغرما لحقه، لأنه لا يرجو به ثوابا (ويتربص بكم الدوائر) أي: وينتظر بكم الدوائر أي: صروف الزمان، وحوادث الأيام، والعواقب المذمومة. قال الزجاج، والفراء: كانوا يتربصون بهم الموت، أو القتل، فكانوا ينتظرون موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ليرجعوا إلى دين المشركين. وأكثر ما يستعمل الدائرة في زوال النعمة إلى الشدة، والعافية إلى البلاء، ويقولون كانت الدائرة عليهم، وكانت الدائرة لهم.
ثم رد سبحانه ذلك عليهم، فقال: (عليهم دائرة السوء) أي: على هؤلاء المنافقين دائرة البلاء، يعني أن ما ينتظرون بكم هؤلاء حق بهم، وهم المغبون أبدا (والله سميع) لمقالاتهم (عليم) بنياتهم لا يخفى عليه شئ من حالاتهم، بين سبحانه من الأعراب المؤمنين، فقال: (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر) ومنهم من يرجع إلى سلامه الاعتقاد في التصديق بالله، وبالقيامة، والجنة والنار (ويتخذ ما ينفق قربات عند الله) أي: ويريد بنفقته في الجهاد، وغير ذلك من أعمال البر. قربات: جمع قربة، وهي الطاعة أي: طاعات عند الله، وتعظيم أمره، ورعاية حقه. وقيل: معناه يتقرب إلى الله بإنفاقه، ويطلب بذلك ثوابه، ورضاه.
(وصلوات الرسول) أي: دعاؤه بالخير والبركة عن قتادة. وقيل: استغفاره، عن ابن عباس، والحسن، ومعناه: إنه يرغب في دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ألا إنها قربة لهم) معناه: ألا إن صلوات الرسول قربة لهم، تقربهم إلى ثواب الله، ويجوز أن يكون المعنى: إن نفقتهم قربة لهم إلى الله (سيدخلهم الله في رحمته) هذا وعد منه سبحانه بأن يرحمهم، ويدخلهم الجنة. وفيه مبالغة بأن الرحمة غمرتهم ووسعتهم (إن الله غفور) لذنوبهم، (رحيم) بأهل طاعته، وهما من ألفاظ المبالغة في الوصف بالمغفرة، والرحمة.
(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (100).
القراءة: قرأ يعقوب: (والأنصار) بالرفع، وهي قراءة عمر بن الخطاب،