وبليت بأنه لم تكن بمصر امرأة أجمل مني، ولا أكثر مالا مني، وبليت بزوج عنين.
فقال لها يوسف: فما حاجتك؟ قالت: تسأل الله أن يرد علي شبابي. فسأل الله فرد عليها فتزوجها وهي بكر.
وروي عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: رحم الله أخي يوسف، لو لم يقل إجعلني على خزائن الأرض لولاه من ساعته، ولكنه أخر ذلك سنة. قال ابن عباس: فأقام في بيت الملك سنة. فلما انصرمت السنة من يوم سأل الإمارة، دعاه الأمير، فتوجه ورداه بسيفه، وأمر بأن يوضع له سرير من ذهب، مكلل بالدر والياقوت، ويضرب عليه كلة من إستبرق، ثم أمره أن يخرج متوجا لونه كالثلج، ووجهه كالقمر، يرى الناظر وجهه في صفاء لون وجهه. فانطلق حتى جلس على السرير، ودانت له الملوك. فعدل بين الناس، فأحبه الرجال والنساء، وذلك قوله عز اسمه (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) أي: ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه، أقدرنا يوسف على ما يريد في الأرض، يعني أرض مصر.
(يتبوأ منها حيث يشاء) أي: يتصرف فيها حيث يشاء، وينزل منها حيث يشاء (نصيب برحمتنا من نشاء) أي: نخص بنعم الدين والدنيا من نشاء (ولا نضيع أجر المحسنين) أي: المطيعين. وقيل: الصابرين عن ابن عباس. وقيل: إنه دعا الملك إلى الاسلام فأسلم، عن مجاهد.، وغيره. قالوا: وأسلم أيضا كثير من الناس. فهذا في الدنيا (ولأجر الآخرة) أي: ثواب الآخرة (خير للذين آمنوا وكانوا يتقون) لخلوصه عن الشوائب والأقذار. وفي هذه إشارة إلى أنه سبحانه يؤتي يوسف في الآخرة من الثواب والدرجات ما هو خير مما آتاه الله في الدنيا من الملك والنعمة.
سؤال: قالوا كيف جاز ليوسف أن يطلب الولاية من قبل الكفرة الظلمة؟
وجوابه: لأنه علم أنه يتمكن بذلك من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ووضع الحقوق مواضعها. وقد جعل الله سبحانه جميع ذلك له من جهة كونه نبيا إماما. وكان يفعل ذلك من قبل الله تعالى. وإنما سأل الولاية ليتمكن من الأمور التي له أن يفعلها. وأيضا فإنه علم أنه سبب يتوصل به إلى الدعاء إلى الخير، وإلى رؤية والديه واخوته. وفي الآية دلالة على أن ذلك التمكين، والملك، والتدبير، كان بلطف الله سبحانه وفضله. وفيها دلالة أيضا على جواز تولي القضاء من جهة الباغي والظالم، إذا يتمكن بذلك من إقامة أحكام الدين.